IMLebanon

التدقيق الجنائي وهمٌ أم حقيقة ؟

 

 

صدر التقرير الجنائي مؤخراً، من شركة «ألفاريز آند مارسال» Alvarez & Marsal بعد نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من الإنتظار، ومنذ بدء أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم. صدر هذا التقرير بعد ثلاث سنوات من الشلل والجمود، ومن الهروب إلى الأمام. هل هذا التقرير هو نقطة إنطلاق وكرّ للسبحة أم فقط إيجاد كبش محرقة ووعود وهمية ومتابعة إستراتيجية التدمير الذاتي؟

 

إذا كان هناك نية صافية وجدية في التعامل، كان يُفترض أن تكون نقطة الإنطلاق، التدقيق في أول أيام الأزمة، وليس بعد نحو أربع سنوات.

 

قبل التحدث عن تدقيق جنائي أو غيره كان على المسؤولين وقف النزف، ووقف الإنهيار، والتدقيق بالأرقام بكل شفافية وموضوعية، في أول أسابيع الأزمة عوضاً عن تكملة مخطط التدمير والإنزلاق.

 

لا شك في أننا نرحّب بالتدقيق الجنائي حتى لو أتى متأخراً، لكن الأهم هو ما بعد التدقيق، وملاحقة هذا المشروع بجدية وواقعية وموضوعية. إننا على مفترق طرق، أما يكون هذا التقرير حبراً على ورق، حيث يستكمل ملء أدراج المنصات الرسمية والتنفيذية والتشريعية، وأما يكون نقطة انطلاق لمتابعة التدقيق في كل الوزارات والمنصات الرسمية، والصناديق وغيرها.

 

الجدير ذكره أن الذين كانوا يطالبون بالتدقيق منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، ويتبارون على المنصات والشاشات، لإطلاق هذه الوعود والشعارات الشعبية والشعبوية والوهمية، كانوا أنفسهم يطعنون ويؤخرون صدور أي تقرير أو تدقيق من وراء الستار.

 

هناك نقاط استفهام عدة لتوقيت صدور هذا التقرير والأجندات المخفية وتوظيفاته السياسية، وهناك مخاوف من جرّه إلى وحول السياسة الداخلية، والصفقات المعتادة. إذا كان هناك جدية لمتابعة هذا التقرير والحقائق، من البديهي تكملته وتوسيعه على كل الوزارات المعنية في طليعتها وزارة الطاقة التي كلفت أكثر من 50 ملياراً، ووزارة المالية والمرافق البرية، البحرية والجوية والتي هي مقر للتهريب والتزوير والتبييض.

 

إذا كان هناك جدية لمتابعة هذا الملف الدقيق، على المسؤولين في هذا التدقيق متابعة كل تحويلات السويفت، التي حصلت في آخر السنوات العشرين، مركزة على (PEP) Politically exposed person بمعنى التدقيق في كل تحويلات السياسيين والرسميين، والمسؤولين، الذين توالوا على المناصب الرسمية وحتى الأمنية.

 

إذا كان هناك جدية في التعاطي بهذا الملف الشائك وهذه كرة النار التي يتلاعبون بها أو يتراشقون فيها، فإن نقطة إنطلاق المتابعة هي توزيع مهمات الشركة الدولية للتدقيق في كل الملفات، ومتابعة مداخيل الدولة والصرف العشوائي، كما أن نقطة إنطلاق المتابعة تبدأ بإجتماع إستثنائي لحكومة تصريف الأعمال واللجان النيابية المختصة لمتابعة كل النقاط المذكورة وأخذ تدابير وإجراءات سريعة في حق كل المتورطين الذين يبلغ عددهم بالآلاف، ولن يعدوا على يد واحدة أو أقل.

 

نذكّر أن هناك مسؤولية مباشرة وغير مباشرة على كل رؤساء الحكومات الذين توالوا على هذه المناصب، وأكثرية الوزراء الذين، أما تواطئوا في عمليات الفساد أو طمروا رؤوسهم في التراب، وأغمضوا أعينهم بإصبع واحد.

 

في المحصّلة، نذكّر ونشدّد على أن هذا التدقيق حتى لو أتى متأخراً، يستطيع أن يكون نقطة الإنطلاق للملاحقة والمحاسبة وكرّ السبحة. لكن يمكن أيضاً أن يكون مشروعاً أو خطة أو حتى تحقيقاً لن ينتهي، مثل أكثرية التحقيقات التي مررنا أو نمر بها وقد تاهت في المجهول. بكل شفافية وموضوعية نتساءل كيف يمكن للمسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم أن يتابعوا ويلاحقوا التدقيق؟ وأين يمكن أن يوصلهم؟ كيف يُمكن للمحكوم أن يكون حكماً على نفسه؟ وكيف يمكن للمدعى عليه أن يكون مدعياً؟ هل التاريخ سيكرر نفسه ونغرق بالأوهام والوعود الكاذبة؟ وهل سيدفع الثمن بعض الناس كـ»كبش محرقة»، ويهرب المسؤولون الأساسيون كالعادة؟ إن هذا التدقيق الجنائي، تجربة ومختبر جديد أم سيتعاملون معه كالعادة ويطمرونه في الدروج؟ أم سيتلاعبون ويتراشقون المسؤولية بين بعضهم البعض لمكاسب سياسية؟ إن خبرتنا القديمة لن تسمح لنا بأن نتفاءل بالمتابعة والمحاسبة، لكن لم ولن نستسلم وسنتابع نضالنا.