عبد الهادي لـ “الديار”: زمن السبعينات ولّى… وإجماع على عدم العودة اليه
اثار بيان حركة حماس في لبنان عن انشاء “طلائع طوفان الاقصى”، وانخراطها في المقاومة الى جانب “كتائب القسّام”، التي هي “الجناح العسكري” لها، ردود فعل داخلية لبنانية، لا سيما من اطراف ترفض العودة الى مرحلة نهاية الستينات من القرن الماضي، والوجود الفلسطيني المسلح، واقامة ما سمي “فتح لاند” في جنوب لبنان، وتحديدا في منطقة العرقوب، التي تضم شبعا وكفرشوبا وكفرحمام والهبارية وراشيا الفخار وجوارها، حيث اتخذت “فتح” وفصائل فلسطينية من هذه البقعة قواعد لعمليات المقاومة، واطلاق قذائف وصواريخ باتجاه المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، فحصل صدام بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية وتوسعه نحو المخيمات الفلسطينية، ونتج عن ذلك تشريع مجلس النواب “للسلاح الفلسطيني” في اتفاق القاهرة، الذي وقعه كل من قائد الجيش اللبناني آنذاك العماد اميل البستاني، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح” ياسر عرفات في العام 1969.
هذه المرحلة، انتهت بعد الغزو الصهيوني للبنان في صيف 1982، وخروج الفصائل الفلسطينية من لبنان، والغاء اتفاق القاهرة في العام 1985 في مجلس النواب، فتوقفت المقاومة الفلسطينية من لبنان، الا ان السلاح الفلسطيني، لا سيما الخفيف منه دخل المخيمات الفلسطينية، وانتقلت المقاومة الى قوى وطنية لبنانية، ومن ابرزها الحزب “السوري القومي الاجتماعي” والحزب “الشيوعي” وحزب “البعث” وقوى ناصرية وحركة “أمل”، وظهرت المقاومة الاسلامية التي قادها حزب الله ضد الاحتلال الاسرائيلي، وادت الى تحرير لبنان منه في 25 ايار 2000، ولم يدخل السلاح الفلسطيني في هذا القتال، بعد ان اخذت منظمة التحرير الفلسطينية خيار “السلام” والاعتراف بـ “اسرائيل”، وعقد “اتفاق اوسلو” بين الطرفين في عام 1993.
فمنذ الثمانينات غاب السلاح الفلسطيني عن العمل المقاوم من لبنان، وتركز داخل فلسطين المحتلة، وكانت له اساليبه، فلم تعد مواجهة العدو الصهيوني تفيد من الخارج بل من الداخل، وفق ما اكد قيادي فلسطيني، الذي رأى بان المقاومة الفلسطينية حصرت نشاطها في الجغرافية الفلسطينية مما ادى الى نتائج ايجابية، لا سيما بعد انتفاضة الحجارة، التي تطورت الى العمل المسلح.
من هنا، فان تأسيس “طلائع طوفان الاقصى”، التي اعلنت “حماس” عنها، ليس تنظيما عسكرياً ولن يكون، وهي لديها جناحها العسكري “كتاب القسّام” الذي يقوم بمهامه، ومنها عملية “طوفان الاقصى”، التي زلزلت الكيان الصهيوني وهزت الامن فيه، وكسرت هيبة جيشه ومخابراته، وافقدت ثقة المستوطنين به، فليس من حاجة لحماس ليكون لها تنظيم عسكري في لبنان، وعندما قامت باطلاق صواريخ منه ولمرات محدودة، مع الحرب التدميرية التي يشنها العدو الاسرائيلي على غزة، اعلنت عن ذلك في بيان رسمي، وقامت بذلك لاسناد المقاومين في غزة، من ضمن تقدير عسكري.
فالطلائع التي اعلنت عنها حماس فهمت خطأ، او اعطيت تفسيراً لا يرتبط بالواقع، وجرى استغلال الاعلان في التوظيف السياسي بين اطراف لبنانية، والتذكير بالمرحلة السابقة، وهذا ما نفاه مسؤول حماس في لبنان الدكتور احمد عبد الهادي لـ “الديار”، واكد بان “لا عودة لفترة السبعينات وما نتج عن تمركز المقاومة الفلسطينية في لبنان، فهذه مرحلة باتت من الماضي، واجمعت عليها كل الفصائل الفلسطينية في مؤتمرات ولقاءات مشتركة وبيانات صدرت عنها منذ سنوات، وبعد مراجعة لما جرى في الساحة اللبنانية، حيث اكد الفلسطينيون بكل اطيافهم بأن زمن التدخل في لبنان قد ولى، وهم تعلموا من تلك المرحلة واخذوا دروساً منها، حيث لم يبادلهم الشعب اللبناني الا الاحتضان والاحترام والتأييد للقضية الفلسطينية، التي وقف اللبنانيون الى جانبها، وتحملوا مع الفلسطينيين كل الحروب والدمار والقتل والهجرة.
فما صدر عن حماس بانشاء طلائع “طوفان الاقصى” فهي حالة احتضان شعبي لابنائنا الفلسطينيين، الذين تأثروا بمقاومة حماس وعمليتها العسكرية والصمود بوجه العدو الاسرائيلي، رغم الدمار والمجازر والتهجير، حيث تلقت الحركة الكثير من الاتصالات المؤيدة لنهجها المقاوم، مما اضطر قيادة الحركة الى تأطير هذا الاحتضان الشعبي بما سمي “الطلائع”، من اجل بناء شخصية واخلاق وسلوك من اقترب من حماس، وهو “طوفان شعبي” في داخل فلسطين وخارجه في الشتات، ويتم التعبير عنه في شتى الوسائل، وما لجأت اليه حماس تقوم به احزاب وفصائل ومنظمات في تنظيم من هم جمهورها، في اطار مشروع المقاومة، وخلق ثقافة المقاومة.
واكد عبد الهادي ان لا عسكرة ابداً في “الطلائع”، بل “مجتمع مدني فلسطيني” يقوم بدوره مع اهله في المخيمات لتحسين اوضاعهم المعيشية وتأمين الخدمات لهم، في اطار وظيفة اعلامية وتعبوية واخلاقية، والتركيز على وحدة الشعب الفلسطيني، ونبذ الخلافات الداخلية السياسية والتنظيمية، وحصرها في اطار احترام الرأي الآخر. فالحالة الشعبية، التي ظهرت حول حماس كحركة مقاومة، ارادت تنظيمها مدنياً لا عسكرياً، ولن تكون تجمعات الفلسطينيين في لبنان معسكرات، وهذا ما ظهرت من خلال مواقف توضيحية لمسؤولي حماس.