لا أحد يحسد أحداً على شيء في الشرق الأوسط. ما أن تمكّنت “ثورة الحرية والكرامة” من إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي في تونس، حتى اشتعلت “ثورة 25 يناير” التي أسقطت الرئيس حسني مبارك في مصر. بيد أن نجم “الربيع العربي” بدأ بالأفول من حيث غاب حكم القانون، وليس فقط حين تدحرجت كرة النار من ليبيا الى سوريا ومن البحرين الى اليمن.
لم يتجرأ أحد فعلاً على مساءلة اسرائيل لأسباب معروفة. تسببت بالمأساة الفلسطينية المتواصلة منذ زهاء سبعة عقود. ضربت بقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة عرض الحائط. لا تزال السلطات الإسرائيلية تصادر أرواح الفلسطينيين وأملاكهم لأنهم يحتجّون على مصادرة وطنهم. وُصِموا بأنهم “مخربون” و”إرهابيون” بعدما انتُزِعت منهم صفات “الفدائيين” و”المقاومين”. عجز المجتمع الدولي عن ايجاد طريقة لإنهاء حتى الإحتلال الذي بدأ بعد حرب عام 1967. هزل الإتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين والإجماع الدولي على حل الدولتين.
الأدهى أن القضية الفلسطينية اتُخِذت ذريعة على النحو المعروف لقهر كل الشعوب العربية في المشرق والمغرب. بدا “الربيع العربي” كأنه “الصحوة العربية” بعد نوم عميق. كادت تتحقق أخيراً تطلعات ابن دير القمر جورج أنطونيوس الذي غاب قبل انشاء دولة اسرائيل. غير أن الأمر انتهى بـ”المحنة العربية” الطويلة. رأى ابن الشقيف فؤاد عجمي في الغزو الأميركي للعراق “هدية الأجنبي” للمواطن العربي.
لم يتخلص العراقيون بعد من “مآثر” البعث وما تركه صدام حسين قبل انهيار حكمه قبل 13 عاماً. يعيشون هواجس الفوضى ومخاوف التفكك. تسيطر الغالبية الشيعية بدعم من ايران على المفاصل الرئيسية للحكم. تفيد التقارير أن كثيرين من سنّة البعث تحوّلوا مجاهدين تحت رايات “الدولة الإسلامية” (داعش). يغتنم الكرد الفرصة لترسيخ حكمهم الذاتي. يتطلع بعضهم – حيث يتمكن – الى الإنفصال والإستقلال. فشل العراق حتى الآن في أن يكون نموذجاً للدولة العربية العادلة في القرن الحادي والعشرين.
الذين يحنّون الى الماضي يرفضون اعتبار تونس مصدر أمل بالتغيير الذي بدأ في مثل هذه الأيام قبل خمس سنوات في العالم العربي. يقللون شأن “تأقلم” حزب النهضة مع الواقع الديموقراطي بعدما أخذ العبرة من “أخوانه المسلمين” في مصر. غير أن أحداً لا يسأل عن محاكمة زمن زين العابدين بن علي. شاهد الناس محاكمة صورية لعهد حسني مبارك. يبدو بشار الأسد مستعداً للوقوف تحت أقواس النصر لا العدالة في سوريا المدمرة. لا تعرف ليبيا أي مجهول ينتظرها بعد سنوات من القتل الثأري والوحشي لمعمر القذافي. كأن علي عبد الله صالح خرج من الباب ليدخل من النافذة في حكم اليمن، هذا البلد الحزين.
في ذكرى “ثورة 25 يناير” 2011، ينظر الرئيس عبد الفتاح السيسي من حوله، فيرى الإرهابيين في كل مكان. يمكنه أن يكرر ما كتبه الشاعر أحمد فؤاد نجم وغناه الشيخ أمام: “غابة كلابها ديابة”.