خسائر غير محتسبة بمئات الملايين من الدولارات يتكبّدها المواطن سنوياً من دون أن يشعر. فالأعوام الأخيرة ترفض أن تفارق لبنان من دون ان تُلهب اقتصاده بأكلاف الحرائق الباهظة. التقديرات الأولية لحريق جنوب الليطاني الأخير تشير إلى التهام النيران “ما بين 13 إلى 20 ألف هكتار من الأحراج والبساتين”، بحسب الناشط البيئي وسيم بزيع، إذ طالت الحرائق المنطقة الجغرافية الممتدة من وادي زبين، الحنية، مجدل زوم، بيت ليف، مروحين وصولاً إلى ياطر، حيث تنتشر احراج السنديان والبطم بكثافة، خصوصاً في محمية وادي زبين، ولم توفر النيران البساتين الزراعية والمنطقة المشجّرة بالحور في منطقة المنصوري، كذلك الامر قضت الحرائق على مئات اشجار الصنوبر في منطقة المتن.
الحرائق التي تعود بحسب تقديرات بزيع إلى إضرام النيران في المكبات العشوائية التي أنشأتها البلديات على أطرافها المتداخلة مع المناطق الحرجية والمحميات، تكبد الاقتصاد خسائر مباشرة وغير مباشرة، “فالهكتار الواحد من الأشجار (يختلف بحسب نوعية الأشجار) يمتص يومياً كمية من الكربون بقيمة 160 دولاراً”ً، يقول مدير محمية أرز الشوف نزار هاني. في حين أنه “لا يمكن تقريش القيمة الجمالية والنفسية لوجود الاشجار، وهي تحتسب بتأثيرها على الانسان والمنظر العام”. من جهة ثانية يلفت هاني إلى أن “أكلاف مكافحة الحرائق كبيرة جداً، حيث تحتسب كلفة الطائرات المروحية على الساعة بالدولار، فيما تكلف سيارة الاطفاء الواحدة ملايين الليرات يومياً كبدل محروقات وصيانة. هذا إن لم تُسجّل أضرار بشرية أو مادية مباشرة نتيجة عمليات الإخماد. فوق كل هذا هناك خسارة كبيرة بالتربة نتيجة زحفها وانجرافها بعد انتزاع الغطاء النباتي عنها. وهذه العملية يمكن تقريشها بكميات التربة التي نخسرها سنوياً جراء الحرائق”.
وتشير دراسة أعدها البروفسور في جامعة “كلكوتا”، ت.م. داس، أن قيمة الشجرة الواحدة تقدر خلال 50 سنة بنحو 193 الف دولار أميركي. وذلك بالقياس إلى انتاجها الاوكسيجين، ومساهمتها بتدوير المياه، وتخفيفها التلوث في الهواء، وتوفيرها مأوى للحيوانات وتحكّمها بتآكل التربة وزيادة خصوبتها، هذا من دون احتساب الثمار. حيث تعود شجرة الزيتون بما لا يقل عن مليون ليرة سنويا لصاحبها فيما تؤمن شجرة الصنوبر مردوداً يفوق المليوني ليرة.
مشكلة الحرائق التي تفاقمت بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة تعود بحسب خبير النظم البيئية فادي أسمر إلى “عدم وجود سياسة إدارة الاحراج التي من شأنها تخفيف كثافة الغابات عبر عمليات التقليم والتنظيف. وبالتالي الحد من الانتشار السريع للحرائق”. وبحسب أسمر فان “تشجيع الرعي المسؤول وإقامة “المشاحر” يشكلان عنصرين مساعدين على تنظيف الغابات ويؤمنان مورداً مادياً للأهالي وحافزاً للحفاظ على الغابات”.
إشعال النيران في الغابات لتسهيل قطع الاشجار وتحويلها إلى حطب للتدفئة من دون أن يلاحظ أحد، قد يكون سبباً إضافياً لتوسع الحرائق بشكل كبير مؤخراً. ولا سيما مع ارتفاع أسعار المحروقات. إلا أن القيمة الفعلية للغابات وانعكاسها المباشر على صحة الانسان الجسدية والنفسية تبقى أعلى ولا تقاس بأسعار المحروقات. ومن الممكن بحسب نزار هاني “تحويل عمليات تنظيف الغابات و”تشحيلها” إلى مصدر بيئي للتدفئة وتسميد المزروعات أرخص بكثير من كلفة إحراق الغابات”. وبرأيه “على لبنان اعتماد ما اتبعته كل من إسبانيا وكتالونيا على صعيد حماية الغابات من خطر الحرائق، حيث تلزم الأخيرة مواطنيها بتنظيف أراضيهم أو دفع رسوم للبلدية لكي تقوم هي بعمليات التنظيف. فيما تحمّل إسبانيا كلفة الحريق للأشخاص الذين لا ينظفون أراضيهم، في إشارة واضحة إلى أهمية تنظيف الغابات للحد من مخاطر انتشار الحرائق.
من هنا يشدد هاني على ضرورة البدء في الإجراءات الوقائية وتحويل الغابات إلى مصدر للربح ودعم للقرى والمجتمعات المحلية المحيطة، بدلاً من إحراقها وتكبيد الاقتصاد خسائر فادحة. خصوصا مع ما أضافته الحرائق الجديدة التي اشتعلت في غير موسمها وبطقس بارد من تحديات غير مسبوقة على طرق وأساليب مكافحتها، وهي تتطلب وعياً رسمياً وشعبياً للحد من مخاطرها.