Site icon IMLebanon

تطوّرات لبنان: الحكم المركزي كنظام هيمنة طائفيّة 

 

 

بالشكل، لا يوجد رابط بين أحداث متفرّقة شهدتها الساحة اللبنانيّة بالأسابيع الأخيرة، منها اضطرار أكاديمي لبناني عبّر عن رغبته في الوصول إلى اتّفاقيّة سلام مع إسرائيل لمغادرة لبنان على عجل بعد تحرّك القضاء ضدّه؛ ومنها أيضاً فتح البلاد أمام يتامى نظام بشّار الأسد؛ ومنها أخيراً إقرار مجلس الوزراء تعويضات للمهجّرين الشيعة الذين فقدوا منازلهم بعد حرب “حزب اللّه” على إسرائيل التي انتهت بهزيمته النكراء. أمّا بالمضمون، فهذه الأحداث التي تبدو متفرّقة بالظاهر هي عمليّاً صور مختلفة للهيمنة الشيعيّة المستمرّة على لبنان، والتي تتّخذ من الحكم المركزي أداة لها.

 

فكّر بالمسألة الأولى، عنيت تحريك القضاء لمعاقبة رأي سياسي يقول بالسلام مع إسرائيل. هذا الرأي ليس جريمة. لماذا إذاً يتحرّك القضاء ضدّ صاحبه؟ الجواب، ببساطة، أنّ رأي الأكاديمي المذكور لا يتوافق مع سرديّة العداء إلى الأبد مع إسرائيل التي تفرضها اليوم على لبنان الهويّة الشيعيّة العابرة للحدود. بالحقيقة، عندما قال الأكاديمي المذكور بعبثيّة الحرب إلى الأبد مع إسرائيل، فهو لم يفعل سوى القول علناً ما يقوله جلّ اللبنانيّين-المسيحيّين سرّاً؛ والأهمّ، هو لم يقل سوى عين العقل. ومع ذلك، استهدفه الحكم المركزي لأنّه هدّد سرديّة هي المبرّر الأيديولوجي للهيمنة الشيعيّة على لبنان. ولا ضرورة أن نسأل لماذا لم يتحرّك القضاء ضدّ ابراهيم الأمين يوم هدّد من لا يوافقه الرأي بأن “تحسّسوا رقابكم”؛ ولا ضدّ غدي فرنسيس يوم سخرت علناً من الضحايا المدنيّين لبطش نظام بشّار الأسد بسوريا؛ ولا ضدّ نوّاف الموسوي يوم هدّد أيّ مرشّح رئاسي لا يوافق عليه “حزب اللّه” بالقتل. أقول إنّه لا ضرورة لذلك لأنّ خطاب هؤلاء يعكس سرديّة العنصر المهيمن على سياسة لبنان؛ طبيعيّ تالياً ألّا يتحرّك الحكم المركزي ضدّهم تحديداً لأنّه، كما يذكر عنوان هذا المقال، أداة هيمنة طائفيّة.

 

الخلاصة نفسها يؤكّدها فتح باب البلاد لجلاوزة بشّار الأسد وأركان حكمه بعد فرارهم من سوريا. من يريد هؤلاء ببيروت؟ لم يكن بدون معنى بالأيّام الأخيرة أن يعمد لبنانيّون-مسيحيّون إلى رفع صور بشير الجميّل بالأحياء وعلى مواقع التواصل بعد سقوط نظام الأسد؛ كراهية هذه الجماعة من اللبنانيّين لنظام الأسد موصوفة، والأمر عينه صحيح بالنسبة للمكوّنين السنّي والدرزي. جلّ هذه المكوّنات لا تريد لعلي المملوك، أو فراس شاليش، أو خالد قدّور، اللجوء إلى لبنان؛ ومع ذلك، تضجّ البلاد بأخبار لجوئهم، وآخرين من دائرة الأسد، إلى بيروت. لماذا سمح الأمن العام بدخولهم؟ لماذا لا تتحرّك الأجهزة الأمنيّة ضدّهم؟ الجواب، أنّها تصرّفت وفق أوامر الثنائي الشيعي.

 

 

 

ماذا أيضاً عن قرار السلطة المركزيّة إعطاء نبيه برّي، عبر ما يسمّى بـ”مجلس الجنوب”، سبعمئة مليار ليرة ليصرفها على جماعته بحجّة “دعم صمود” هؤلاء، فضلاً عن ثلاثمئة مليار ليرة للهيئة العليا للإغاثة، للحجّة عينها؟ هذه الأموال جزية تدفعها مكوّنات محكومة لصالح مكوّن حاكم، ليس أكثر. ذلك أنّ أحداً لم يسأل رأي المكوّنات المسيحيّة أو السنيّة أو الدرزيّة عندما دعا المكوّن الشيعي حسن نصراللّه لبدء الحرب على إسرائيل هاتفين بأن “يا سيّد يلّا/دخيل اللّه”. ثمّ أنّ نصراللّه نفسه لم يستشر أحداً من زعماء المكوّنات الأخرى عندنا أطلق حرب “إسناد غزّة”. بأيّ منطق، تالياً، تفرض السلطة المركزيّة على مكوّنات رفضت الحرب تمويل مكوّن ورّط نفسه والآخرين بها، دون أن يبالي برأيهم – بل خوّنهم، وهدر دمهم كعملاء لأنّهم حذّروا منها؟ الجواب، مجدّداً، هو أنّ الحكومة اللبنانيّة – ووزارة الماليّة تحديداً – أداة هيمنة طائفيّة.