يلاحظ خبيرٌ سياسيّ لبنانيّ أنَّ لبنان هو البلد الأكثر غنى بالقوانين والأكثر فقراً في تطبيقها، كما أنَّه البلد الأكثر إستهلاكاً للوقت في تدبيج مشاريع القوانين، لكنَّه البلد الأكثر خرقاً للقوانين عند المصادقة عليها.
يُحصي هذا الخبير أنَّ لبنان، ومنذ العام 1992 وحتى العام 2009، وضع خمسة قوانين للإنتخابات النيابية، ولا قانون يشبه القانون الآخر.
في الموازاة، وفي معرض محاولة التوصّل إلى قانون جديد، يمكن إحصاء نحو عشرة مشاريع قوانين تمَّ التقدم بها، وأبرزها:
قانون فؤاد بطرس.
قانون الحكومة التي نسينا إسم رئيسها حينذاك، إنما تذكرنا أنها انقلبت على إتفاق الدوحة.
قانون الوزير مروان شربل.
قانون المستقبل والإشتراكي والقوات اللبنانية.
قانون الرئيس نبيه بري.
قانون الخمسين دائرة.
القانون الأرثوذكسي.
قانون أكثري على دورتين.
وأخيراً، وربما ليس آخراً، القانون المختلط الذي عُرِف بقانون جبران باسيل.
بعد جوجلة كلِّ هذه القوانين، تبيَّن أنَّ قانون حكومة الإنقلاب على إتفاق الدوحة بات الأقرب إلى الواقع.
ما هو هذا القانون؟
هو مشروع قانون يقسِّم لبنان إلى 13 دائرة إنتخابية. ومن خلال مراجعته يتبيَّن ما يلي:
ليس هناك من معيارٍ واحدٍ في تقسيمات هذا القانون:
جعل بيروت دائرتين بعد أن كانت ثلاث دوائر. وهنا يُطرَح السؤال:
ما هو المعيار في تقسيم بيروت إلى دائرتين وليس إلى ثلاث دوائر، كما هي في قانون الدوحة؟
جعل الشوف دائرة واحدة، فيما ضمُّ قضاءي بعبدا وعاليه إلى أن يكونا دائرة واحدة.
جعل بشري وزغرتا والبترون والكورة دائرة إنتخابية.
الإبقاء على المتن الشمالي دائرة إنتخابية واحدة.
دمج كسروان وجبيل في دائرة إنتخابية واحدة.
السؤال الكبير هنا:
كيف يمكن لقانون أن يجمع كلَّ هذه المعايير الهجينة في مسودة واحدة ويتبناه النواب؟
يُفترض ألا يغيب عن بال أحد أنَّ هذا القانون الهجين وُضِع في غير ظروف اليوم، فمنذ خمسة أعوام، حين وضعه، كانت الظروف مغايرة كلياً:
كانت هناك قوى 14 آذار و8 آذار.
كان هناك انقسامٌ في البلد ومحاولة حشد القوى وتجميع الظروف للمعركة الرئاسية التي كانت ستجري بعد سنتين، أي سنة 2014.
اليوم تبدَّلت كل هذه الأمور، والعقدة الأساس تتمثّل في الوقت الذي لم يعد حلاَّل المشاكل بل بات يضغط على الجميع:
فوزير الداخلية نهاد المشنوق صاحب المصداقية الكبرى، يلحُّ على وجوب إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لأنَّه في حال لم يفعل يكون يخالف القانون.
كما أنَّ صورة لبنان تهتزُّ لدى الهيئات الدولية والدول الكبرى، باعتبار أنَّ عدم القدرة على إجراء الإنتخابات النيابية هو من العلامات غير المشجعة لأيِّ بلد.
حتى لو حدثت الأعجوبة وتمَّ التفاهم على هذا القانون، فإنَّ هناك تأخيراً تقنياً ملزماً، فآخر مهلة لإجراء الإنتخابات، من دون التأخير التقني، هي في الأيام العشرة الأخيرة من أيار، أي بعد ثلاثة أشهر. هذا الأمر مستحيل، وأيُّ قانون ستتم المصادقة عليه سيكون مقروناً بالتأخير التقني حتى أيلول.