يفتقد اللبنانيون هذه الايام الى «أبو ملحم» الشخصية الوطنية المؤثرة في بناء السلم الاهلي والتقريب بين اللبنانيين. وكان الرئيس فؤاد شهاب بمثابة أبو ملحم الاول بعد النزاع الأهلي المسلح عام ٥٨ اذ عمل على تجديد الوحدة المجتمعية الوطنية وإعادة وصل ما انقطع مع فرنسا ديغول عبر بعثة ارفد و الاب لوبرية، ووضع استراتيجية لبناء الدولة الوطنية القوية واستعادة الثقة عبر البرامج الإنمائية، واستحداث مؤسسات تحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين اللبنانيين، ومنها مجلس الخدمة المدنية والجامعة اللبنانية. وبهذه الروحية الإيجابية ايضا شجع العزيز أبو ملحم الشهابي الشقيقة الكبرى مصر وعبد الناصر على إنشاء جامعة بيروت العربية التي ساهمت الى جانب الجامعة اللبنانية في استيعاب اسباب الفوضى وصناعة الاستقرار.
توزعت شخصية العزيز أبو ملحم الاجتماعية الانسانية على العديد من الشخصيات الفنية والفلكلورية المناطقية والابداعية، عبر تلفزيون لبنان الذي تأسس ايضا بشراكة فرنسية لبنانيّة. وساهم التلفزيون بالتقريب بين اللبنانيين وشكّل رافعة حقيقة للوعي الاجتماعي والثقافي والسياسي، وعكس صورة ناجحة للتجربة اللبنانية، ومعه رواد الصحافة الوطنية الذين حدّثوا شخصية العزيز أبو ملحم ودوره في عملية النهوض والتقدّم والانتظام الاجتماعي في الدولة الواحدة.
كان أبو ملحم نموذجاً للارادة الجامعة والتي تجسّدت في كل التجارب والتجمعات والمبادرات في لبنان، من العمل الخيري الى الحركة الاجتماعية والتجربة المدنية والكشفية والرياضية وأحزاب الوحدة والوطن والعائلة والتقدم والسعادة وأحزاب أيديولوجية وقومية، وشارك أبو ملحم في صياغة شعاراتها وموضوعاتها، من عمال معمل غندور الى مزارعي التبغ الى الاستشفاء والتعليم وصولا الى الحرمان وبرامج الإصلاح الديموقراطي الى حماية لبنان من الأغراب والكرامة والكيان و١٠٤٥٢ كم2.
حافظ العزيز أبو ملحم على روحية السلم الأهلي ايام النزاع المسلح، وكان يمثل الأكثرية الصامتة، والمليشيات تمثل الأقلية المسلحة المستبدة. واستطاع أبو ملحم انقاذ الآلاف من مذابح الحقد المذهبي والطائفي في كل المناطق وبصمت وكبرياء، الى ان تجددت ظاهرة شهاب الثاني وأبو ملحم الكرم والمحبة والتعليم والعطاء، وإعادة وصل ما انقطع مع الدول الصديقة والشقيقة والدعوة الى مدينة الطائف السعودية وانجاز وثيقة الوفاق الوطني. وبادر أبو ملحم الجديد الى توحيد الصفوف واعادة الاعمار، وخلال سنوات قليلة كان أبو ملحم يتأصل ويتجدد في وجدان الأجيال ويستعيد الثقة بالانتظام الاجتماعي الإقتصادي عبر الدولة الوطنية والمؤسسات.
خاف خصوم أبو ملحم من الروح المجتمعية الانسيابية المتجددة في لبنان، فكان الاغتيال تلو الاغتيال مع استخدام القوة لإعادة عقارب الزمن الى الوراء. وبعد كل اغتيال كان أبو ملحم يتجدد ويتكاثر حتى فاز بتمثيل الأكثرية في الانتخابات، فأدركوا عمق شخصية ابو ملحم في وجدان عموم الناس، وسارعوا الى صناعة أبو ملحم (مزوّر) يعمل على إحداث الفوضى والشقاق بين الناس وتدمير الإنجازات وتفكيك المجتمعات والتحالفات، وشيطنة المصالحات والتسويات وإبعاد الأصدقاء والاشقاء عن لبنان. وخلال أشهر قليلة شعر اللبنانيون باختفاء أبو ملحم الحقيقي عن كل تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية والمدنية. وشعر الكثيرون بمرارة اليتم الوطني والعربي وبالفراغ والكراهية والضياع والخوف على الدولة الوطنية والانتظام المجتمعي الهش من وحوش العنف الأهلي المتعاظم في المنطقة وعمليات الإبادة الجماعية والفرز الديموغرافي في ظل صمت مريب من أبو ملحم العالمي المزوَّر في مجلس الامن .