التعليم الرسمي يعيش برواتب أشبه بـ«إعاشة»
يشهد القطاع التعليمي توترات على أكثر من جهة، فبعد مرور أكثر من 5 أسابيع على إنطلاق العام الدراسي في التعليم الرسمي، لم يسرِ قرار وزارة التربية بعد الخاص بدفع الحوافز الإضافية عن الفصل الاول لأساتذة التعليم الرسمي والمتّفق على أن تكون قيمتها الشهرية 300 دولار (فريش)، وحالياً يسود الترقب في صفوف المعلمين لمعرفة مدى جديّة تطبيق هذا القرار. علماً ان اجمالي المبلغ 18 مليون دولار لنحو 60 ألف أستاذ.
كما أن القطاع لم يسلم من تبعات الأحداث الأمنية على الحدود الجنوبية، ورغم نزوح أغلبية تلامذة القرى الحدودية، لم تخرج الوزارة بأي خطة طوارئ جدية. واقتصر الأمر على تعميم من وزير التربية يقضي بإلتحاق الطلاب النازحين في المدارس والثانويات الرسمية في المناطق التي نزحوا إليها، وفيما تُكمل بقية المدارس والثانويات بشكل طبيعي، يبقى مصير العام الدراسي لطلاب تلك المناطق الحدودية مجهولاً.
شكوك بوعد الحلبي
توضح مصادر نقابية، لصحيفة «نداء الوطن» بأن «الشكوك تحيط بمدى صدقية وعد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي. حتى اللحظة لم يتقاض الأساتذة حوافز الشهر الأول، وهم يجهلون ما إذا كان الوزير سيفي بالوعود ويدفع حوافز الفصل الأول، التي سبق وطمأن بأنها مؤمنة. كذلك، لم يتأكد الأساتذة من نية الحكومة بالعودة إلى دفع الإعتمادات التي كان من المتفق تسديدها من أجل إتمام السنة الدراسية. هذه الوقائع كلّها تطرح علامات إستفهام حول مصير السنة الدراسية في ظلّ ضبابية قدرة الوزارة على الإستمرار بالدفع»…
تطبيق بشروط
وتلفت المصادر إلى أن «هذه الحوافز لن تطبق من دون شروط ضبط قرّر الوزير فرضها، أبرزها «التتكيس»، اي إعتماد جداول إضافية لأخذ تواقيع الأساتذة عليها عند الحضور والمغادرة من أجل إحتساب ساعات العمل ليتم على أساسها تحديد قيمة الحوافز التي يستحقها الاستاذ، إضافة إلى دفتر الدوام الأساسي. وهذا الأمر آثار غضب أغلبية الأساتذة حيث إعتبروا هذه الخطوة بمثابة التقليل من قيمة الأستاذ، ومعاملته وكأنه مياوم، في حين هو موظف دولة ومن حقه الطبيعي أن يتقاضى الحوافز بشكل ثابت».
غضب الأساتذة النازحين
وكما أن مصير الطلاب النازحين بقي مجهولاً، فإن الحوافز للأساتذة الذين إضطروا إلى النزوح لم يبتّ بأمرها، حيث كشفت المصادر أن «الأساتذة الذين اضطروا إلى التعطيل قسراً على خلفية الأحداث الأمنية الساخنة في المناطق الحدودية لن يحصلوا على الحوافز، أما أساتذة الملاك فسيحصلون على رواتبهم فقط. في حين أن المتعاقدين لن يحصلوا لا على بدلات ساعات التعاقد ولا على الحوافز، وهذا خلق نوعاً من الغضب في صفوف هؤلاء الأساتذة، فهم لم يتغيبوا، كما يقولون، عن دواماتهم ليس بإرادتهم، بل الظروف الراهنة أجبرتهم على ذلك لذا من أبسط حقوقهم أن يُنظر بأمرهم».
الجهات المانحة سحبت يدها
وتثير المصادر نقطة اخرى، وهي أنه «هذا العام تم رصد الإعتمادات لوزارة التربية من أجل إنطلاق العام الدراسي من الحكومة اللبنانية، وهذا على عكس السنوات السابقة حيث كان يتم إنتظار ما ستقدمه الجهات المانحة من أجل تحديد ما سيتم تقديمه من حوافز. هذا العام تم الإعتماد على أموال الحكومة، وهو ما يطرح سؤالاً بغاية الأهمية، بالنسبة للبعض، وهو: «لماذا لم تعلن الوزارة حتى اليوم عن أي تقديمات من الجهات المانحة؟ فهل تلك الجهات سحبت يدها من دعم القطاع التعليمي في لبنان؟ والدليل على ذلك أنه حتى اللحظة لم ينطلق العام الدراسي للطلاب السوريين الذين يتعلمون بعد الظهر. حيث أن المعلومات تشير إلى أن «الإعتمادات لم تتوفر حتى الآن (إن كانت حوافز أم بدل ساعات)، حيث أن الجهات المانحة لم تقدم بعد الأموال اللازمة لإنطلاق العام الدراسي بعد الظهر. وكان تم الإتفاق على تسعير ساعة التعليم بستة دولارات لتشمل الأجر وبدل النقل أو الحوافز، تفادياً للدخول في عمليات حسابية ضخمة».
خوف من تكرار الأخطاء
رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي د. نسرين شاهين، تؤكد في حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، أنّ «البلد بشكل عام يعيش في حالة توتر، ومن الطبيعي أن ينسحب ذلك على الواقع التعليمي»، وتلفت إلى أنه «حتى اليوم لم يتقاض الأساتذة الحوافز التي وُعدوا بها، وهم بإنتظار الوعود التي تلقوها بأنهم سيتقاضون الحوافز في الأيام القليلة المقبلة أي قبل آخر الشهر».
لكن شاهين تبدي تخوفها من «تكرار تجربة العام الماضي في آلية دفع مستحقاتهم، حيث شهدوا على حالات تمييز تم فيها الدفع العشوائي لأساتذة وإستثناء آخرين، حتى ضمن المدرسة الواحدة. وعند المراجعة، كان يطلب منهم العودة إلى المنطقة التربوية أو فريق العمل المختص في الوزارة، ليتبين أن الحجّة «خطأ تقني في السيستم»، فيجد الأستاذ نفسه عالقاً ما بين الأطراف الثلاثة من دون نتيجة».
متأخراتوفي هذا الإطار، تذكر شاهين بأنه «حتى الساعة لم يتقاض بعض الأساتذة حوافز الـ 90 دولاراً لثلاثة أشهر والتي كانت مخصصة لهم خلال عام 2021-2022، رغم أن هذه الحوافز دُفعت للوزارة من دعم وصل إليها تبلغ قيمته 37 مليون دولار، مع الإشارة الى أنه تمت إثارة موضوع يلفت إلى أن الوزارة حولت حينها أموالاً بقيمة ملياري ليرة تقريباً لـ277 موظفاً، وحينها إعترفت الوزارة بذلك ولكن وضعته في إطار التصرف الخاطئ. ولكن حتى اليوم لا أحد يعلم أين صرفت هذه الأموال مقابل أن الأساتذة لغاية الساعة لم يتقاضوا حقوقهم، كما أنه لم يعرف بعد إذا ما تمت إعادة الأموال من الـ277 موظفاً في حين تم غض النظر عن حقوق 300 أستاذ متعاقد».
هذه العوامل والتجارب الصعبة كلّها زعزعت الثقة بوزارة التربية، بالتالي تتمنى شاهين «عدم تكرار المشهدية المريرة هذه السنة والعودة إلى لعبة «الأخطاء» لأنها ستخلق حتماً بلبلة وإرباكاً في النظام التعليمي. وتـأمل «ترميم الثقة مع وزارة التربية، ولو بنسبة بسيطة، من أجل ضمان عام دراسي مستقر للطلاب».
ضرورة إنشاء نظام معلوماتية
ولتفادي هذه الأخطاء، طالبت شاهين في ختام حديثها، «بإنشاء نظام معلوماتية في وزارة التربية يصل المدارس الرسمية بالمناطق التربوية وبوزارة المالية، ليسمح بالوصول إلى معلومات دقيقة حول عدد الأساتذة والطلاب وحول الساعات المنفّذة، إلى جانب الأموال التي تحوّل إلى وزارة التربية وكيفية صرفها.، فهذا النوع من النظام التقني سيساعد على خلق الشفافية ويحمي المدرسة الرسمية من الإضرابات».
الحوافز ليست الحقوق كاملة
ومن ناحيته، يُشدد عضو الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان الأستاذ عصمت ضو على أن «أغلبية الأساتذة على قناعة تامة بأنهم لن يحصلوا على كامل حقوقهم، إلا من خلال إقرار سلسلة الرتب والرواتب أي تصحيح الرواتب والأجور بما يتلائم مع الوضع الحالي»، ولكن ضو في المقابل، يعتبر في حديثٍ مع «نداءالوطن» أن «عدم إنتظام المؤسسات الدستورية وعلى رأسها عدم وجود رئيس للجهورية وإنعكاسات ذلك على مجلسي الوزراء والنواب، جعل الأساتذة يرضون بالقليل، من أجل ضمان وصولهم إلى مكان عملهم، وكذلك ضمان إستمرارية التعليم الرسمي».
آلية دفع الحوافز
وفي ما يتعلق بالحوافز الموعودين فيها، يرفض ضو الحكم على الوزارة قبل مرور التاريخ المقرّر فيه دفع الحوافز وهو 20 تشرين الثاني الحالي». ويشرح الآلية التي ستعتمد لدفع الحوافز وقال: «تلقينا وعوداً من قِبل القيمين والمعنيين في الوزارة في موضوع الحوافز على أنه لا يمكن صرفها قبل 20 تشرين الثاني. لأن هذه الحوافز تدفع لقاء أيام عمل يقوم بها الاستاذ، ويتم صرفها بناء على جداول ترفعها إدارة كل مدرسة وثانوية الى الوزارة من أجل التدقيق بها. ومن بعد عملية التدقيق يصدر فيها أمر بالدفع عبر شركات مالية معتمدة في لبنان. ومن خلال متابعتنا مع القيمين بالوزارة، حصلنا على تأكيد من قبلهم بأن الحوافز سوف تصرف كما تم الإتفاق بدءاً من 20 تشرين الثاني. لذا علينا إنتظار يوم غد الثلاثاء حيث من المُفترض أن تبدأ الرسائل النصية بالوصول إلى الأساتذة، لأن تلك الحوافز لن تكون عبر مصرف لبنان، بل بالدولار عبر الشركات المالية. لذلك، من المرجح أن لا يقبض الجميع في اليوم ذاته على إعتبار أن الشركة المالية لديها قدرة إستيعابية محددة لإرسال عدد معيّن من الرسائل تتراوح ما بين 5000 و10000، فيما عدد الأساتذة يفوق الـ 60 ألفاً تقريباً».
ويرفض ضو «إستباق الأحداث في حال لم تُدفع هذه الحوافز قبل نهاية الشهر الحالي»، ويشدد على «ضرورة إنتظار ما سيحمله الثلاثاء ليُبنى على الشيء مقتضاه».
الملتزم لا يخاف
وعن الضجة التي أثارتها الإجرءات الجديدة والمتعلقة بعملية التوقيع الإضافية، فإنّ ضو لا يربط ذلك بالحوافز، ويشير إلى أن «الأستاذ الذي يقوم بكافة واجباته ويتصرف بشكل قانوني فلماذا عليه أن يخاف أو يعترض على قرار الوزارة. وذلك على إعتبار أن الأستاذ موظف في إدارة عامة ومن واجباته الخضوع لقراراتها»، مؤكّداً أنه «لا علاقة لهذه العملية بالحوافز، ومن الممكن أن تكون الوزارة من خلال ذلك تريد القيام بعملية إحصاء لحصر عدد ساعات العمل بشكل صحيح 100%».
ولكن ضو وإذ يُعبّر في ختام حديثه، عن «إلتزامه وإحترامه لقرارات الوزارة، إلا أنه كان يُفضّل أن تتجنب القيام بهذه الخطوة، وذلك منعاً للبلبلة وبخاصة في هذه الظروف الحساسة، وقطع الطريق على من يحاول إستغلال هذه العملية ليثير البلبلة».