أعطى “حزب الله” الضوء الأخضر لانطلاق المفاوضات مع اسرائيل ولتأليف حكومة جديدة. في مسألة المفاوضات، مارس ويمارس إبداء الملاحظات من موقع المُتحفّظ، بما في ذلك على إدارة رئيس الجمهورية للملفّ. وفِي مسألة تأليف الحكومة، كاد يختفي من الصورة، تاركاً حليفه رئيس الجمهورية في الواجهة مديراً للتشكيل والتركيب.
تحفّظَ “الحزب” المذكور على تشكيل الوفد اللبناني المُفاوِضْ صَدَرَ فجر الجلسة الأولى. لاحقاً، تركّزَ إهتمامه على منع التقاط صورةٍ مشتركة للوفود. لم يُعرَف من طَرَحَ فكرة الصورة وما إذا إلْتُقِطَتْ أم لا. ثم جاءت قصّة تناول الغداء في مطبخ القوات الدولية لتُثير انتقادات إضافية، قبل أن يثبت عناصر “الحزب” حضورهم عبر طرد صحافيين جالوا في المحيط.
لم تصل الملاحظات الى أبعد من ذلك. فلم يُقرّر”حزب الله” وقف المفاوضات، وهذا جوهر الموضوع، بل ثبَّت استمرارها. وفي المقابل، أتاحت ملاحظاته على أداء رئيس الجمهورية، المكلّف قيادة التفاوض، الى إثارة بلبلة وردود من جانب عناصر تيّار الرئيس وقيادات في هذا التيّار على “الحزب”، وصلت عند مستوى جمهور الطرفين حدّ التنابذ والحرقة والفُرقة.
قد يكون في كلّ ذلك خلافٌ حقيقي في وجهات النظر، وقد لا يكون. لكنّ النتيجة أنّ “حزب الله” غسل يديه من سلوك حليفه في الشأن الحكومي، واحتفظ لنفسه بحقّ إبداء الملاحظات على تفاوضٍ مع اسرائيل، هو من قرّره وأعلن توقيته، وأذاع بيان الشروع فيه.
أمّا رئيس الدولة المسؤول عن ولادة الحكومة الجديدة الى جانب رئيس الحكومة المكلّف، فإنّه لا ريب سيشعر براحةٍ نسبية، إذ سيصعب على منتقديه القول إنّه يخضع لتوجيهات “حزب الله” ومطالبه، خصوصاً بعد حملة الملاحظات “الثنائية”، التي رافقت وتُرافق المفاوضات مع العدوّ الصهيوني الغاصب برعاية الشيطان الأكبر.
إرتاح رئيس الدولة في تعامله مع الرئيس المكلّف، لم يعد مضطراً للقبول بالمشروع الذي طرحه الحريري لدى ترشّحه للمنصب، برنامجاً وتركيبة مُصَغّرَة قِوامها إختصاصيون. ثم توالى الحديث عن محاصصة وتعيينات واشتراطات، كان آخرها أن لا حكومة من دون “المير”…
كلّ ذلك وصاحب الأمر والنهي صامت، يكرّر خطاباً لم يتغيّر عن الحاجة الى حكومة جامعة وقادرة، وينصرف قادته الى بثّ رسالة الخامنئي في شأن ماكرون، في التوقيت نفسه والوجهة إياها، مع القادة الحوثيين والحمساويين والحشديين…
إزاء هذا المشهد، يصعب التكهّن بولادة حكومة مفيدة، أو ولادة حكومة مختلفة عن حكومة حسّان دياب. ولا بدّ في النهاية من خطوة حاسمة من جانب الرئيس المكلّف، وهو لا يبدو بعيداً من اتّخاذها.