Site icon IMLebanon

لبنان: المعركة المنسيّة لعون وسلام

 

 

 

«الأمل شيء خطير يا صديقي قد يدفع المرء إلى الجنون»، كما تقول شخصية «ريد» في فيلم «الخلاص من شاوشانك». وفي رحلة الخلاص من أزمات لبنان المزمنة، ربما يكون الأمل من أخطر التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، إذا اعتقدا بقدرتهما على معالجة المشاكل الرئيسة للبلاد بسرعة أو حتى في المدى القريب.

 

ليس هذا من باب الإفراط في التشاؤم، بل من باب الواقعية والحرص على نجاح العهد الجديد. فانتخاب قائد الجيش السابق للرئاسة وتكليف سلام برئاسة الحكومة جاءا بعد سلسلة من الكوارث السياسية والاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية كانت من بين الأخطر والأصعب في تاريخ لبنان الحديث. وعندما ندرك أن هذا التاريخ هو عبارة عن عقود من الأزمات والصراعات تتخللها فترات قصيرة من الاستقرار النسبي، يمكننا أن نقدر حجم التحدي الذي يواجه الإدارة الوليدة.

 

تعلمنا من «ثورة الأرز» في عام 2005 ومن السنوات الأولى لـ«الربيع العربي» كيف أن النجاح في تحقيق أهداف ضيقة في البداية لا يعني أبداً التوافق حول أهداف أوسع، ناهيك عن تحقيقها، أو القدرة على معالجة سريعة لمشاكل معقدة تراكمت على مدار سنوات وسنوات.

 

في لبنان، اتفقت المعارضة بأطيافها كافة على ضرورة خروج الجيش والأجهزة السورية بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وفشلت في تحقيق أي هدف آخر. أتذكر هنا ما قاله أحد المحللين السياسيين لي حين كنت مراسلاً لوكالة «رويترز» في بيروت: «ثورة الأرز وعدت بخروج سوريا، وليس بغد أفضل للبنان».

 

في مصر، اتفقت قوى التغيير على ضرورة إقصاء الرئيس الأسبق حسني مبارك، واختلفت على كل شيء آخر. كانت النتيجة الفورية تخبطاً تاماً في التخطيط وإدارة الدولة، وفشلاً في التعامل مع توقعات وآمال المصريين بتحسن سريع في حياتهم بعد سقوط مبارك. تحدثت في أواخر عام 2011 مع الخبير الاقتصادي الدولي البارز الدكتور سمير رضوان عقب إقالته من منصبه وزيراً للمالية، فقال وقتها إن أصعب ما واجهه في عمله هو محاولة التعامل مع رغبات الناس في حل سريع للمشاكل، وعدم القدرة على ضبط سقف توقعات المطالبين بالتغيير.

 

الذنب هنا لا يقع على عاتق المواطنين، بل يتحمل مسؤوليته السياسيون الذين فشلوا في توجيه رسائل واضحة تهدف إلى تحقيق بعض التناغم بين توقعات أنصارهم من جهة، وقدرتهم على التنفيذ من جهة أخرى. هذا هدف صعب المنال لكن تحقيقه يبقى ممكناً. كيف؟

 

هذه اقتراحات مبدئية ربما على صانعي السياسة الحكومية في لبنان التفكير فيها:

 

أولاً: يتعين على الحكومة العتيدة وضع خطة للتواصل العام حول الملفات الرئيسة في إدارة الدولة، وتحديد أولوياتها على المديين القصير والمتوسط. لنقل، على سبيل المثال، إن الأولوية على المدى القصير هي الانسحاب الإسرائيلي، وانتشار الجيش في الجنوب، والبدء في إعادة الإعمار.

 

ثانياً: تنفيذ خطة تواصل إعلامي لتوضيح مسارات التقدم والتعثر في كل الملفات الرئيسة. من المهم ألا تقتصر هذه الخطة على الإعلام التقليدي، وأن تمتد لوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القنوات المؤثرة في الرأي العام المحلي.

 

ثالثاً: إقرار وتنفيذ خطة وآلية خاصة للتواصل مع شركاء لبنان من الدول المانحة والمؤسسات الدولية والمستثمرين لتوضيح جهود الإدارة في التعامل مع الملفات المهمة التي تهم هذه الجهات (قوانين القطاع المصرفي، على سبيل المثال).

 

تهدف هذه الخطط إلى محاولة التحكم في سقف التوقعات بصورة عامة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية. فمن دون أن يفهم الناس أولوياتك، ومن دون طريقة لمعرفة مدى التقدم المحرز لتحقيق تلك الأولويات، لا يهم إن كانت سياستك هي الأفضل. لا يهم إن كنت الشخص المناسب في المكان المناسب. لا يهم إن كان الحق معك.

 

التصريحات الأولية من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلّف تعكس إلماماً واضحاً بما يريده معظم اللبنانيين: انسحاب الاحتلال، وانتشار الجيش في الجنوب، وإعادة الإعمار. كما أشار عون في خطاب القسم إلى ضرورة عدم التقصير في المحافظة على أموال المودعين في المصارف (أو ما تبقى منها).

 

بيد أن الإيمان بأن كل لبنان متفق على هذه الأهداف يعد محض خيال. فمقابل من يحاول استرداد أموال المودعين، تجد قوى اقتصادية وسياسية تحاول الحفاظ على مصالح أصحاب المصارف أو المساهمين فيها قبل أي شيء. ومقابل من يرى ضرورة احتكار الدولة للسلاح، قوى ستروج أن في ذلك محاولة لإقصاء وإلغاء طائفة بأكملها. من هنا تأتي أهمية التعامل الإعلامي الدقيق في بلد يعج بالانقسامات السياسية والطائفية، والمصالح المتعارضة، والأصوات العالية.

 

هذه ليست مهمة مستحيلة. وهذه المعركة لا يجب أن تكون منسية. الأمل هنا ليس خطيراً. ليس قدرنا بالضرورة أن نكون مثل «ريد» في فيلم «الخلاص من شاوشانك». فعندما قال جملته الشهيرة، رد عليه بطل الفيلم آندي دوفرين بالقول: «الأمل شيء جيد. ربما هو أجمل الأشياء. كل الأشياء الجيدة لا تموت».