بعدما كان رئيس الجمهورية يستأثر بمسألة تشكيل الحكومة قبل الطائف، جاءت الفقرة الرابعة من أحكام المادة/53/ من الدستور المُعدّل، لتنُّص على أن الحكومة تُشكَّل بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بالاتّفاق مع رئيس مجلس الوزراء.
بالتالي بات تأليف الحكومة، عملية مُشتركة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. حيث يُشكّل الحكومة رئيس الوزراء المُسمّى من الأغلبية البرلمانية، ويُقدّمها لرئيس الجمهورية، الذي يحق له مُناقشتها مع رئيس مجلس الوزراء المُكلّف. وبالختام، إصدار مرسوم تأليفها دستوراً بالاتّفاق مع الرئيس المُكلّف.
يسأل البعض، ما دام رئيس الجمهورية مُلزَماً بنتيجة الاستشارات النيابية لجهة تكليف مَن يَلزَم لتشكيل الحكومة. وما دام الرئيس المُكلّف قد نال الأغلبية النيابية. وما دام هو المسؤول عن سياسة حكومته أمام البرلمان. وما دام رئيس الجمهورية لا يُسأل دستورًا إلاّ عند خرق الدستور أو في حال الخيانة العُظمى، سنداً للمادة/60/ من الدستور. فلماذا يحّق له مُناقشة الرئيس المُكلّف في تشكيلته، ألا يُشكّل ذلك اختلالاً في المسؤوليات؟
من الثابت، أن تشكيل الحكومة لا يُمكن أن يتمّ إلّا بعد أن يوافق رئيس الجمهورية على أعضائها، وعلى كيفية توزيع الحقائب، ومن واجبه حِفاظاً منه على مصلحة البلاد العُليا أن يرفض توزير أي شخص يعتقد أنه غير أهلٍ للوزارة. بالتالي لا يُمكِن أن تُبصِر أي حكومة النور ما لم يوافق رئيس الدولة عليها بعد اقتناعه بمكوّناتها.
صحيح أن رئيس الحكومة هو المسؤول أمام مجلس النواب، لكن الأصح أن رئيس الجمهورية يتحمّل مسؤولية معنوية عن تأليفها أمام الشعب، كونه هو مَن يُصدر مرسوم تشكيلها.
وتعود بِنا الذاكرة إلى العبارة الشهيرة للمارشال «دوماك- ماهون» (أوّل رئيس جمهورية في الجمهورية الثالثة الفرنسية) التي وردت في كتاب وجّهه إلى رئيس الوزراء «جول سيمون» بتاريخ 16/أيّار/1877 يلومه فيه على موقفه المُتخاذل في الدّفاع عن سياسة الحكومة في المجلس، حيث جاء في كتابه: «أنا لستُ مثلك مسؤولاً أمام البرلمان، لكن عليّ مسؤولية تجاه فرنسا». فما كان من رئيس الوزراء إلّا أن قدّم استقالته فَور تلقّيه كتاب رئيس الجمهورية. (دراسات في القانون الدستوري- للدكتور وليد عبلا).
مما يُفيد، أن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، صحيح أنه غير مسؤول أمام البرلمان، سنداً لأحكام المادة/60/ من الدستور. لكنه مسؤول تجاه شعبه وتجاه لبنان. وأي حكومة لا تشبهه، ستنعكس سلباً على انطلاقة عهده.
أما لجهة تشكيل الحكومة العتيدة، فإضافةً إلى وجوب احترام الميثاقية عملاً بأحكام الفقرة «ي» من مقدّمة الدستور وتمثيل الطوائف بصورةٍ عادلة سندًا لأحكام المادة/95/ منه، يقتضي أن تضُّم رجال اختصاص ولو كانوا من الأحزاب، شرط أن يتمتّعوا بالأخلاق والسيرة الحسنة، أسماء توحي بالثقة، شرط أن تأتي الحكومة متجانسة، متراصّة، رؤيتها سيادية، إصلاحية، إنقاذية. وبحال العكس ستُشكِّل هذه الخطوة طعنة أولى في ظهر العهد، وبعدها لا قيامة.
أما لجهة الملفّات والتي تنتظرها هذه الحكومة أهمّها، التعيينات الأمنية والقضائية والإدارية، تطبيق القرارات الدولية، استكمال تطبيق ما لم يُطبّق من إاتفاق الطائف، ورشة إصلاحات دستورية وقانونية، متابعة ملف تحقيقات المرفأ. مواكبة انتخابات بلدية مُرتقبة، والتحضير للانتخابات العامة في الربيع المُقبِل، الإفراج عن مئات مشاريع القوانين المُكدّسة على طاولة مجلس الوزراء نتيجة الفراغ. إضافةً إلى استحقاقات أُخرى ومختلفة.
وبالخُلاصة، رئيس الجمهورية ليس شاهداً على ولادة أي حكومة، إنما هو شريك في إنضاجها وتأليفها. فهو المسؤول تجاه شعبه ووطنه. فالحكومة المُنتظرة يجب أن تأتي على مستوى خِطاب القَسَم الذي لاقى ترحيباً وتأييداً عارماً.