هناك شبه اتفاق وطني عام، على ان ما بعد القمة العربية الاقتصادية، ليس كما قبلها، والاستراحة البسيطة التي فرضتها ظروف انعقادها، على مسار تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة ولّت، وصلت محلها معطيات اقليمية متعددة العناوين والاطراف ضاغطة وتنحو منحى بالغ الخطورة، مع تنامي التهديدات والاعتداءات الاسرائيلية شبه اليومية على مواقع سورية – عبر الاجواء اللبنانية – تدعي »اسرائيل« انها مواقع تابعة لايران و»حزب الله« مشفوعة باستمرار »اسرائيل« في اعتداءاتها على الحقوق والسيادة اللبنانية باستئناف عمليات بناء الجدار الاسمنتي الفاصل في مناطق متنازع عليها على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة..
تتصاعد وتيرة التصعيد على ألسنة قادة »الكيان الاسرائيلي«، الذين يتصرفون وكأن كل شيء مستباح امامهم، ولا حرمات ولا موانع، والعالم العربي على وجه العموم يدير ظهره لهذه التطورات البالغة الخطورة، والتي قد تؤدي الى مواجهات عسكرية حادة، يعرف كيف تبدأ، ولكن أحداً لا يعرف كيف تنتهي؟ وقد كان لافتاً، من حيث التوقيت ما كشفته صحيفة »هآرتس« الاسرائيلية من وثائق تؤكد استعداد اسرائيل لضرب مصر وسوريا بالسلاح النووي بعد الهزيمة التي تعرضت لها في حرب 1973.. وهي وثائق مكتوبة بخط اليد؟!
الصورة الاقليمية بالغة الدقة والخطورة، وقد تعززت اكثر بزيارات قيادات اميركية سياسية وعسكرية الى بلدان المنطقة، وعلى لسانهم التنبيه من خطرين اثنين: »ايران« و»حزب الله«، الامر الذي يضع المنطقة ولبنان أمام احتمالات خطيرة للغاية خصوصاً وان ايران لم تعتمد سياسة الصمت ازاء التهديدات الاسرائيلية بمواجهة مفتوحة«؟!
ليس من شك في ان التهديدات الاسرائيلية المتتالية والمتصاعدة ما كادت لتكون، لولا الدعم الاميركي اللامحدود والمستمر.. والعالم العربي ينام »نومة أهل الكهف«.. الأمر الذي دفع بعودة الوضع اللبناني الى الواجهة من جديد، ومن بوابة الصحوة لاستئناف مساعي تشكيل الحكومة العتيدة، بعد مروره ثمانية أشهر على »حكومة تصريف الأعمال« وتعثر ولادة »حكومة الوفاق الوطني« التي لا تستثني أحداً من الافرقاء الاساسيين ومن بينهم »حزب الله«..
لقد بدأ الرئيس المكلف سعد الحريري جولة جديدة من الاستشارات بشأن تحريك عملية تأليف الحكومة، والمعطيات المتوفرة من بداية الطريق تفيد ان الرئيس الحريري على قناعة بضرورة العودة وبأسرع ما يمكن الى لغة الحوار والتفاهم والتوافق للخروج بلبنان من أزماته المتعددة العناوين والمضامين، وفي مقدمها أزمة تأليف الحكومة العتيدة، التي يرفع البعض أصواتهم ويؤكدون وجوب انجازه اليوم قبل الغد، وأمس قبل اليوم..؟! لقطع الطريق، ما أمكن أمام تفاقم الازمات الموزعة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً وخدماتياً وأمنياً، وغير ذلك؟!
وخلال لقائه (أول من أمس) وزير الخارجية جبران باسيل في »بيت الوسط« أبدى الرئيس المكلف سعد الحريري إنفتاحاً على أكثر من فكرة، الأمر الذي يؤكد عزمه واصراره على ضرورة تجنيب لبنان المضي في مأزق الشغور الحكومي، كما ومأزق التأليف، على رغم ادراكه ان المسألة ليست سهلة، وكل فريق متمسك بخياراته وحساباته وما يعتبرها »حصته«.. وقد بدت الصورة، هي هي اياها، عند عقدتي تمسك »التيار الوطني الحر« (رئاسة الجمهورية) بـ»الثلث الضامن« (المعطل) وتمسك »حزب الله« والرئيس نبيه بري ومن يقف الى ما بينهما بتمثيل »اللقاء التشاوري« (نواب السنة من خارج »المستقبل«) بأحد من الأسماء التسعة التي قدمها..
المسألة في نظر البعض ليست في العدد.. بل في النوعية والبرنامج.. وفي قناعة متابعين انها ستكون صعبة، لكنها غير مستحيلة.. وعلى هذا الاساس فمن السابق لاوانه الجزم بحصول نقلة نوعية قريباً، خصوصا وان هناك شبه اجماع على رفض صيغة »الثلث الضامن« التي يرى الرئيس بري أنها لا تمت بصلة باتفاق الطائف، لا من قريب ولا من بعيد..
كل ساعة تأخير في ابرام اتفاق التأليف يدفع لبنان ثمنها غالياً أمام الصورة الاقليمية الحاصلة وما يمكن ان تؤول اليه، وهو كان، ولايزال »الحلقة الاضعف« في هذه التطورات، ما يجعله عرضة لتداعيات داخلية واقليمية ومصاعب غير محدودة الافق.. وقد سمع معنيون رفيعو المستوى نصائح من وفود عربية، شاركت في قمة بيروت بضرورة حل عقدة تأليف الحكومة اللبنانية العتيدة، في أسرع وقت ممكن – خلاف الطلب الاميركي الداعي الى تعزيز »حكومة تصريف الأعمال« – ومحذرة من ان استمرار الوضع على ما هو عليه من شغور حكومي سيضيع على لبنان فرصة الافادة من القمة، كما وقد يذهب به الى »الهاوية«؟!
قد يكون من السابق لاوانه، بعد تراكم العثرات منذ ثمانية أشهر، القول ان حل عقدة التأليف على نار حامية.. تماماً كما القول بأن »الامور تراوح مكانها..« خصوصاً وان أسباب العرقلة ووضع العصي في الدواليب لا تستأهل في كل ذلك، والسبل والحلول الناجعة ليست مستحيلة، او مستعصية، اذا ما وضع الجميع مصلحة لبنان واللبنانيين فوق الاعتبارات الفئوية والفردية والانانيات.. والحديث عن ان الظروف والمعطيات الخارجية لم تثمر كفاية بعد، يعني تسليم حاضر لبنان واللبنانيين ومستقبلهم الى »لعبة الأمم« وصراعات الخارج؟!