ترددت في الآونة الأخيرة الدعوات لضم ممثلين عن تشكيلات المعارضة السورية المسلحة إلى الائتلاف الوطني السوري. بل إن جهوداً عملية بدأت في هذا الاتجاه من جانب رياض سيف٬ رئيس الائتلاف الجديد٬ الذي تم انتخابه أخيراً من أجل ضم ممثلين عن التشكيلات المسلحة إلى الائتلاف.
الفكرة في أساسها تبدو صحيحة. ذلك أن الفصل بين السياسي والعسكري في وضع المعارضة السورية٬ ترك آثاراً سياسية وميدانية كارثية٬ كما تدلل تجربة السنوات الست الماضية٬ بل إنه خلق رأسين إن لم نقل رؤوساً للمعارضة تتنافس وتتصارع بمستوى٬ قد يفوق مستوى صراعها مع معسكر خصومها من نظام الأسد وحلفائه٬ وهذا كان أمراً واضحاً في الأشهر الأخيرة بعدما اشتغل الروس علناً وبكثافة في آستانة على التشكيلات المسلحة٬ ولم تخفف الجهود التركية من التباينات والصراعات بين طرفي المعارضة السياسية والمسلحة رغم علاقاتها الوثيقة بالاثنين.
وباستثناء التنافس والصراع القائم بين طرفي المعارضة حول من يمثل السوريين٬ ومن يمكن أن يتكلم باسمهم٬ فإن أمر توحيد الطرفين تحت قيادة الائتلاف٬ يبدو أمراً غير عملي في ضوء التجربة المرة التي كرستها السنوات السابقة بين الطرفين٬ عندما اختار الائتلاف بين صفوفه ممثلين لهيئة أركان الجيش الحر٬ التي كانت شبه هامشية وشكلية في أغلب أوقاتها٬ وترك التشكيلات الفاعلة خارج اهتمامه أو في الهامش من الاهتمام٬ فيما كانت الثانية تعزز توجهاتها في التشكيك بشرعيته٬ وتأكيد هامشية تأثيره٬ وتسعى في آن معاً لتكون بديلاً عنه من الناحية السياسية٬ فيما هي قوة مباشرة على الأرض.
والأمر الثالث في القضية٬ سؤال يتصل بمحتوى ضم التشكيلات المسلحة للائتلاف٬ فلا الائتلاف بدل شيئاً من توجهاته ولا التشكيلات المسلحة فعلت٬ مما يعني أنه لا برنامج جديداً٬ يتطلب إعادة رسم علاقة جديدة بين الطرفين٬ تقوم على دمج التشكيلات في الائتلاف٬ وإذا كان الأمر يتصل بموضوع المفاوضات٬ فإن الطرفين موجودان في الهيئة العليا للمفاوضات٬ وبإمكانهما من خلالها إذا رغبا تطوير أدائهما المشترك فيها٬ أما إذا كان الأمر يتصل بموضوع تسيير الأوضاع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام٬ التي تتراجع أهميتها الميدانية٬ وتنحسر مساحاتها بصورة خطيرة٬ فهذه المناطق خارج التأثير السياسي للائتلاف بشكل عام٬ وإن كانت تخضع من الناحيتين السياسية والميدانية بشكل عام للقوة المسلحة٬ التي يتداخل فيها نفوذ جبهة النصرة المصنفة في دائرة التطرف والإرهاب وتشكيلات المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة٬ وثمة صراعات وصدامات بين الطرفين فيها٬ ودخول الائتلاف على خط الواقعين السياسي والميداني فيها لن يبدل الأوضاع القائمة إلى الأحسن٬ إن لم يفاقمها.
وكما يبدو٬ فإن ثمة انسدادات سياسية وعملية في قضية ضم تشكيلات المعارضة المسلحة إلى الائتلاف٬ أو تمثيلها فيه٬ ولأن الأمر على هذا النحو٬ فمن الصعب تحقيق هذا الهدف في الواقع الحالي.
غير أنه٬ وإذا كانت ثمة رغبة مشتركة وصادقة٬ وتتوفر لها إرادة سياسية وعملية لدى الائتلاف الوطني والتشكيلات المسلحة٬ ودعم إقليمي ودولي٬ فإنه يمكن تشكيل مجلس سياسي مشترك٬ لا يقتصر على مشتركات الطرفين بما فيها من توافقات ومهمات٬ بل يكون نواة لمجلس أوسع٬ يضم غالبية قوى المعارضة السورية٬ ويكون له برنامج سياسي وطني شامل٬ يعالج المهمات الرئيسية في الوضع السوري.
إن الأهم في محتويات البرنامج السياسي المأمول٬ هو أن وحدة المعارضة بشقيها السياسي والعسكري٬ وخضوع الشق العسكري للقيادة السياسية٬ التي تتضمن تمثيلاً للطرفين٬ وتأكيد أن مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله وتعبيراته مهمة مركزية للمعارضة السورية٬ لا يمكن الحيدان عنها أو التهاون فيها٬ إضافة لمهمة العمل على تحقيق الانتقال السياسي في سوريا٬ وفق قرارات الشرعية الدولية انطلاقاً من بيان جنيف٬1 وتلبية حاجات الشعب السوري وإنهاء معاناته في إطلاق المعتقلين والمخطوفين٬ ورفع الحصار وعودة النازحين واللاجئين٬ وإعادة تطبيع حياة السوريين.
ورغم أهمية وضع برنامج سياسي موحد للمعارضة٬ فإنه لا بد من خلق قيادة قادرة على التعامل مع المهمات المطروحة وسط المعطيات القائمة والتطورات السياسية والميدانية الحالية٬ وتجييرها لصالح المهمات الرئيسية٬ التي دون التركيز عليها٬ والعمل على تحقيقها٬ سيظل السوريون ومعارضتهم كلها٬ يدورون في محيط مغلق بلا حل لقضيتهم٬ وسيظلون يدفعون فواتير حرب عبثية٬ لا تولد إلا الخسائر ومزيداً من المعاناة.