لم تمرّ تعيينات منسقية «تيار المستقبل» في طرابلس، والتي أفضت الى تسمية مدير المستشفى الحكومي ناصر عدرة منسقاً عاماً خلفاً للدكتور مصطفى علوش، من دون تداعيات، وذلك بالرغم من الجهود التي بذلها الأمين العام أحمد الحريري على مدار الأشهر الماضية لاحتواء الخلافات التي كانت قائمة، وحالات «الحرد» التي أعقبت تسمية عدرة، حيث شهدت منسقية طرابلس استقالات وانكفاء بعض من كانوا ينتظرون أن تتم تسميتهم في مواقع قيادية.
وتمثلت هذه التداعيات في قيام مسؤول الشؤون التنظيمية العميد المتقاعد فضيل الأدهمي، وأمين سر المنسقية نقيب أطباء الأسنان في الشمال الدكتور أديب زكريا بتقديم استقالتيهما، وانكفاء بعض مَن كان يدور في فلكهما، وفي نقل المدير المالي والإداري محمد حروق الى عكار ونقل مديرة عكار مهى مكاري الى طرابلس، في حين كان من المفترض أن يتم تعيين سليم علوش في هذا المنصب، لكن حرص قيادة التيار على التوازنات القائمة بين القيادات الزرقاء نواباً ومسؤولين، وعلى عدم تحمل أية أعباء مالية إضافية، حال دون ذلك.
ويشير ذلك الى أن الأولوية اليوم لدى «تيار المستقبل» هي الاستمرار في عصر النفقات الى حدودها الدنيا، ما يعني أن الأزمة المالية مستمرة، لا بل مرشحة الى التصاعد أكثر فأكثر، وأن كل ما تقوم به القيادة الزرقاء في منسقية طرابلس، هو محاولة استنهاض داخلية وباللحم الحيّ، وإدارة الأزمة وتمرير الوقت لحين انعقاد المؤتمر العام الذي من المفترض أن يكون نهاية العام الحالي في حال سمحت ظروف التيار بذلك، ويتخلله انتخاب منسقين وكوادر لكل المناطق اللبنانية.
وبات معروفاً أن الدكتور مصطفى علوش هو مَن طلب من الرئيس سعد الحريري إعفاءه من منصبه، خصوصاً أنه عندما تسلّمه قبل خمس سنوات، كان بالوكالة وبشكل مؤقت لمدة ستة أشهر فقط، لكن الظروف السياسية وغياب الحريري عن لبنان، مدد المؤقت، كما أن الطموحات المتنامية لبعض الكوادر أدت الى انقسامات وصراعات داخلية أرخت بثقلها على منسقية طرابلس، الى أن نجح علوش وبعد جهد كبير، في وضع حد لها لدى الرئيس الحريري الذي استجاب له في إعفائه من منصبه أولاً، وفي تسمية عدرة خلفاً له بناء على طلبه ثانياً.
وتشير مصادر مطلعة على أجواء منسقية طرابلس الى أن الفائز الأكبر في كل ما حصل هو النائب سمير الجسر، خصوصاً أن المنسق الجديد يعتبر من ضمن حلقته الضيقة، وهذا الأمر سيعطيه مزيداً من القدرة على التحكم بمسار المنسقية. كما أن الدكتور علوش حقق ربحاً أيضاً فهو الذي قام بتسمية عدرة، حيث أصاب ثلاثة عصافير بحجر واحد، لجهة تعزيز علاقته الجيدة أصلاً مع الجسر، وضمان مراعاته المستقبلية من قبل المنسق الجديد في التشكيلات التي سيُجريها، إضافة الى أن علوش سيتولى الإشراف السياسي على المنسقية بشكل تلقائي لكونه العضو الوحيد في المكتب السياسي لتيار «المستقبل» من طرابلس.
وتقول هذه المصادر إن التشكيلات الجديدة التي شهدتها منسقية طرابلس قد تعطي بعضاً من الحيوية الداخلية، لكنها لن تبدّل من واقع التيار في المدينة، خصوصاً أن الأزمة المالية المستمرة ترخي بثقلها على الجميع، وأن المنسق الجديد مع أعضاء هيئة مكتبه سيواجهون المطالب المالية لموظفي مكاتب التيار بالدرجة الأولى، إضافة الى سيل من طلبات القواعد الشعبية التي سيقفون عاجزين أمام تلبيتها على أبواب الاستحقاقات المقبلة، لا سيما الانتخابات البلدية، بسبب الشح المالي وإصرار الرئيس الحريري على إقفال «حنفية» المساعدات والخدمات المالية والعينية والطبية، والتي أدت الى إقفال بعض المؤسسات.
لذلك فإن هذه المصادر ترى أن المنسقية الطرابلسية الجديدة ستعمل على إدارة الأزمة بالدرجة الأولى، وتمرير الوقت بأقل الخسائر الممكنة لحين انعقاد المؤتمر العام الذي قد ينتج عنه انتخاب منسقية جديدة، أو لحين حصول انفراج مالي، وهو لا يراه كثير من المستقبليين قريباً.
ويقول علوش لـ «السفير»: «ما حصل هو أمر منطقي، وقد تسلّم هذا المنصب مَن هو قادر على أن يعطيه من وقته ومن حركته، في وقت لم أعد فيه قادراً على التفرغ لمتابعة شؤون المنسقية، وهذا الأمر كان يجب أن يحصل منذ سنوات، ولكن الظروف السياسية حالت دون ذلك».
وعن الاستقالات التي حصلت إثر تعيين عدرة، يؤكد علوش أن هذا الأمر موضوع بتصرّف الأمين العام أحمد الحريري.