لعلّ ما طرحه رئيس مجلس النوّاب الأسبق حسين الحسيني حول مسألة انتخاب رئيس للجمهورية لمدة سنة على الأكثر بهدف تشكيل حكومة حيادية وإقرار قانون الانتخاب وفق النظام النسبي، ثم إجراء هذه الانتخابات التي تنتهي معها ولاية الرئيس الانتقالي لتجري بعدها عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية لولاية كاملة، ستحقّ التوقّف عنده خصوصاً مع تمسّك كلّ طرف سياسي بمرشّحه، كما بشروطه وقوانينه الخاصة التي يسنّها ويشرّعها على وفقاً لمصالحه.
وإذ كانت أطراف عدّة رأت في أنّ هذا الطرح أو حتى الكلام عن انتخاب رئيس لسنة ونصف أو لسنتين غير وارد على الإطلاق، أو أنّ هذا الأمر «معيب على الشعب اللبناني»، فإنّ أوساطاً سياسية تجد أنّ كلّ شيء يمكن أن يحصل في هذا البلد، لا سيما مع «تجميد» موضوع الاستحقاق الرئاسي لمدة سنة و11 شهراً حتى الآن، وما دامت صيغة التجديد أو التمديد لرؤساء سابقين وهي «لمرة إستثنائية»، أو «لمرّة واحدة فقط»، قد جرى استخدامها مرّات عدّة.
وصحيح أنّها ليست الطريقة الفضلى للوضع الراهن في لبنان، على ما تعترف، الاوساط، لكنّها قد تكون خطوة نحو الأمام، وهي أفضل من المراوحة في المكان نفسه، بدلاً من القفز في المجهول، أو الإبقاء على الموقع الرئاسي شاغراً لفترة أطول بعد، ما قد يؤدّي، على المدى الطويل الى فقدان المسيحيين لهذا المنصب. الأمر الذي لا يريد الفاتيكان حصوله، ولهذا يُرسل البابا فرنسيس إشارات عدّة في كل قترة حول ضرورة انتخاب الرئيس المسيحي في أسرع وقت ممكن.
وإذ يرى البعض أنّ التوافق على رئيس لسنة أو سنتين في حال حصوله يُمكنه أيضاًُ أن يوصل الى انتخاب رئيس «شرعي» لمدةّ ستّ سنوات، وأنّ في هذا الطرح مضيعة للوقت، تشرح الأوساط نفسها، أنّ التوافق على رئيس للقيام بمهمة إنقاذية قد يكون أسهل بكثير من التوافق على الرئيس الشرعي في ظل تصلّب المواقف، رغم أنّ المرشحين البارزين من فريق سياسي واحد، ومن يصل منهما يجعله فريقه هو المنتصر.
وتجد الاوساط أنّ هذا الطرح، وإن لم يشهد قبولاً من أي من الأطراف السياسية، إلا أنه جدير بالدراسة من قبلها، سيما وأنه يطرح مسألة وضع قانون للانتخاب على أساس النسبية، كما إجراء الانتخابات، بمعنى آخر المجيء بمجلس نيابي جديد يمثّل الشعب، وغير ممدّد له، لمرتين أو ثلاث، وبإمكانه عندها أن ينتخب رئيساً يريده الشعب، أكان الأقوى مسيحياً أم لم يكن. فما تفرزه الانتخابات النيابية في الندوة البرلمانية من شأنه تظهير الصورة الفعلية لرئيس البلاد.
أمّا إذا كانت الأطراف السياسية كافة مقتنعة أنّ هذا الطرح ليس قانونياً أو دستورياً أو شرعياً، فلتلجأ إذاً الى الوسائل الدستورية وتنتخب رئيس البلاد قبل التمديد للمجلس النيابي مرة ثالثة، ما دامت تصرّ كذلك على انتخاب الرئيس قبل إجراء الانتخابات النيابية.
وفي حال كانت شروط الرئيس التوافقي لسنة هي نفسها شروط الرئيس الشرعي، فإنّ الاتفاق عليه لن يحصل أيضاً، على ما عقّبت الأوساط نفسها، ولهذا يفضّل انتخاب الأخير، لا سيما وأنّ طرح انتخاب رئيس لفترة زمنية قصيرة لا يهدف الى انتخاب الرئيس الكامل المواصفات بل المكلَّف بمهمة إنقاذية، وعندها فأياً يكن، لا يأتي لتنفيذ سياسة فريق دون الآخر، إنَّما مصلحة البلاد ككلّ.
ولكن مع عدم توافر هذا الرئيس، فإنّ المهمة قد تكون أصعب، على ما تُشدّد الأوساط، بعد أن تخلَّى الجميع عن مصلحة البلاد العليا من أجل مصلحته الشخصية الضيقة. ولهذا اقترح الرئيس الحسيني، كرجل دولة، مثل هذا الطرح، إنقاذاً للبلاد، وتحريكاً للوضع السياسي الراهن القائم على انتظار المستجدات بدلاً من ممارسة النواب الممددين لأنفسهم، المهام المطلوبة منهم لإنقاذ البلاد من الشغور الرئاسي وتداعياته على حياة المواطنين.
فالرئيس التوافقي من الصعب إيجاده تقول الاوساط، وحكومة الوحدة الوطنية تتطلّب أشهراً تتعدّى السنة ولا تُشكِّل، وقانون الانتخاب الجديد توضع مشاريعه في الأدراج ولا اتفاق على أي منها، ومجلس الوزراء يحتاج الى نظام داخلي لا يُعطّل جلساته عند كلّ ملف خلافي، فيما المطلوب سلّة إصلاحية شاملة تعيد النظر بكلّ ما يعرقل الحياة السياسية السليمة، فما العمل، على ما تساءلت الأوساط ذاتها، ومن أين يجب أن نبدأ؟!
من هنا، فعلى كل من يرفض الطروحات المقدمة أن يقترح أخرى يمكن تطبيقها، أو يقوم بكلّ بساطة بتنفيذ القانون المعتمد بهدف فتح أحد الأبواب المغلقة والذي يقود الى حلّ شامل.
فإذا حصل انتخاب الرئيس لسنة أو لست سنوات، فإنّه من شأن هذا الاستحقاق أن يقود البلاد الى انتخابات نيابية على أساس قانون جديد، وإذا ما جرت الانتخابات قبل انتخاب الرئيس، فمن شأنها أيضاً تسهيل عملية انتخابه، وهكذا دواليك. أما أن تبقى الأبواب كلها موصدة، وسط تشبّث القوى السياسية بعدم فتح أي منها، فهذا التعنت، على ما تشدد الأوساط ذاتها، يقود البلاد الى الانتحار، في الوقت الذي يُطلب فيه أن يواجه كل التحديات ويكون جاهزاً لمواكبة المرحلة الجديدة التي تطرأ على منطقة الشرق الأوسط ككلّ.