١٣ نيسان ليس مجرد يوم للذكرى. ونحن لسنا مجرد أسرى روزنامة نتذكر لكي لا نفكّر. ففي التذكير بالحرب نتحدث عن سلسلة حروب أهلية وعربية واقليمية ودولية متداخلة في حرب لبنان. وفي التفكير بما حدث للتسوية والسلام نصطدم بتركيبة سياسية جاءت بها الحرب تمارس السلطة كأن الحرب كانت كارثة من صنع الطبيعة لا مسؤول عنها. خلال الحرب كان السؤال: لبنان الى أين انطلاقاً من سؤال: أي لبنان نريد؟ بعد أربعين سنة على البداية الرسمية للحرب وخمس وعشرين سنة على النهاية الرسمية لها صار السؤال: أين لبنان؟ وأي لبنان يراد لنا؟
وليس أمامنا سوى أجوبة تهرب من الأسئلة، أو أجوبة مريحة مخادعة، أو أجوبة مخيفة وصادمة. فلا نحن عالجنا الأسباب المحلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي قادت الى الرهانات على معالجتها بالحرب.
ولا نحن بحثنا عن الوثائق التي دقت ساعة رفع السرية عنها في أرشيف أكثر من دولة لكشف الأدوار التي قامت بها الدول في كواليس ادارة الحرب، بصرف النظر عن العمليات التي دارت على المسرح واستأثرت ولا تزال بالاهتمام والتذكر. وهذا ما جعل الذين عايشوا الحرب، وليس فقط الذين ولدوا في الحرب أو بعدها، يعيشون على روايات جزئية للحرب ويجهلون الصورة الكاملة للسيناريوهات السرية التي أديرت بها.
والوضع اليوم أخطر بكثير، بالمعنى الاستراتيجي، مما كان عليه عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥. فما كان مسار انفتاح ليبرالي على دولة مدنية في مناخ من الجمع بين اللبنانية والعروبة ضمن تجسيد عملي للعيش المشترك وتلطيف للطائفية هو اليوم مسار احتقان مذهبي وتشنج طائفي وتسليم باستحالة التغيير. وما كان مشاركة في الأدوار بين القوى الداخلية والقوى الخارجية على أرض لبنان هو اليوم فقدان للوزن الداخلي امام الاوزان الخارجية. حتى التسليم بقواعد اللعبة الديمقراطية، مع المطالبة بتحسينها، بحيث لم يتخلف المجلس النيابي عن انتخاب ثلاثة رؤساء للجمهورية خلال الحرب ورئيسين قبل تطبيق الطائف، فإنه اليوم تعطيل للعبة الى حد ان الشغور الرئاسسي يكاد يكمل عاماً كاملاً.
لكن من حسن الحظ ان حرباً جديدة في لبنان ليست حاجة اقليمية ودولية، كما كانت الحال عام ١٩٧٥ حين صارت حرب لبنان البديل من كل حروب المنطقة وبدا اللاأمن في لبنان من أمن المنطقة. فضلاً عن ان معظم الدول التي لعبت بلبنان هي اليوم في حروب أخطر من حرب لبنان وفي حاجة الى حد من الاستقرار هنا لخدمة الحروب فيها.
وما أصعب الرهان على الحل وسط الارتهان للعوامل المحلية والاقليمية للأزمة.