IMLebanon

فؤاد بطرس: الأيقونة المنسيّة

رحل فؤاد بطرس، الرجل الذي كان يزين كلمته بميزان الذهب قبل أن يلفظها لاقتناعه بأن الكلام لا يُلقى جزافًا، لأن تصريح المسؤول ـ إذا كان مسؤولًا – لا بد من أن تكون له تداعيات على الشعب المسكين قبل كل شيء، وعلى مجرى الأحداث، وبخاصة على العلاقات بين الطوائف اللبنانية. فالسياسة عنده يجب أن تنبع من الواقع لا من الأوهام، ويجب أن تكون مدروسة وممحصة ولا مجال فيها للارتجال. والأهم من الواقعية وعدم الارتجال عنده، أن تكون للقائم بالسياسة أو المُطلق للموقف الطاقة على احتمال نتائج هذه السياسة أو هذا الموقف.

كان يدرس ليس فقط ما سيقوله أو يقوم به، وليس فقط الردود والمواقف المحتملة، بل ما ستكون خطوته التالية لهذا الرد أو ذاك. برأيه، التافهون فقط يقدِمون من دون احتساب النتائج، والخطوات التالية. من هنا كانت نظرته فوقية على الكثيرين ممن تعاطوا في الشأن العام في أيامه. أما رأيه في الطبقة السياسية القائمة اليوم فلم تكن عنده المفردات الصالحة لوصفها وتقييمها، ولو عادت إليه الأمور لزجهم بالسجن جميعًا.

حتى في مذكراته السياسية الخاصة به التي ليس من حق أحد أن يحاسبه عليها أو يجادله بها، لأنها تمثّل تجربته هو، وخبرته هو، ارتأى أن يتكتّم على الكثير لأنه خشي أن يكون لما حذفه نتائج غير معروفة على صورة أشخاص طبعوا تاريخ لبنان. لقد تكتّم على أمور مضى عليها أكثر من خمسين عامًا لأنه شعر ـ مجرد شعور – أنها قد تخدش صورة أو العلاقات بين الطوائف خدشًا ولو بسيطًا. لا مكان للمجازفة ولا للبطولات الكلامية في عرف فؤاد بطرس في كل ما له علاقة بقضايا الشأن العام، لأن المهاترات برأيه من سمات الانتهازيين الذين لا يأبهون لما ستجره مواقفهم على الشعب، وعلى رجل الدولة أن يكون شديد البُعد عن هذه الصفات المشينة.

رحل فؤاد بطرس، ولا أسف على مستواه الشخصي، لأن هذه حال الدنيا الفانية، ومصير الأحياء معروف سلفًا. فالرجل عاش قرابة المئة عام وتزوج من سيدة بيروتية راقية وجميلة، ورزق بابن وبنتين وصهرين كان يفخر بهم على الدوام، وعرف مجدًا سياسيًا قلّ نظيره، إذ بلغ حدّ المشاركة في حكم لبنان خلال عهد الرئيس الراحل الياس سركيس مشاركة فعلية كنائب رئيس مجلس وزراء ووزير خارجية ووزير دفاع، وكان من ألمع المحامين، وحقّق ثروة من مهنته، وليس من السياسة، لا بأس بها.

ما يؤسف عليه حقًا، هو أنه رحل، ولم يقتدِ به أحد من السياسيين، وبسواه ممن احترفوا الشأن العام وعملوا على تحسين واقع شعبهم، ورفع مستوى الإدارة الرسمية التي تولوها. لقد كانت الخارجية اللبنانية مع فؤاد بطرس، حتى خلال الحرب اللبنانية التي دارت رحاها على مقربة من قصر بسترس، جوهرة الديبلوماسية العربية والشرق أوسطية. وقد كان سفراؤها وقناصلها والقائمون بأعمالها جميعهم أمراء على مثال رئيسهم المثقف المتقن اللغات الفرنسية والإنكليزية إلى جانب لغته العربية المتينة جدًا.

ما يؤسف عليه حقًا، هو أن أحدًا من السياسيين لا يعتقد، ولو مجرد اعتقاد، أن هناك نموذجًا مثل فؤاد بطرس عليه أن يتمثّل به. المؤسف حقًا أن فؤاد بطرس تحوّل إلى أيقونة حتى قبل أن يرحل ولكنها في مستودع لبنان الزمن الجميل الذي لا يريد أحدًا أن يزيح الحجر عن بابه.

100 عام من العطاء

غيب الموت، أمس، الوزير السابق فؤاد بطرس عن عمر يناهز 98 عاماً (مواليد بيروت عام 1918). تزوج في عام 1953 من تانيا تانيا شحادي، ولهما ثلاثة أولاد: مارا وريما وجورج.

تلقى دراسته الثانوية في مدرسة الأخوة المسيحيين في بيروت، ثم التحق بجامعة القديس يوسف في بيروت حيث نال الإجازة في الحقوق، وكان يعمل إبان دراسته في دائرة المكاييل والمقاييس.

بدأ بطرس حياته الوظيفية كاتباً في محكمة الاستئناف المختلطة عام 1941، وكان لا يزال يتابع دراسته الجامعية. والتحق بسلك القضاء سنة 1942، فعين في المحكمة المدنية المختلطة في جبل لبنان. ثم أصبح قاضياً في المحكمة المدنية المختلطة في بيروت سنة 1944، فعضواً في المحكمة العسكرية بين عامي 1944 و1947. ثم انصرف إلى المحاماة سنة 1947 بعد استقالته من القضاء.

اختاره اللواء فؤاد شهاب للانضمام إلى حكومته فتولى بين تشرين الأول 1959 وأيار 1960 وزارتي التربية والتصميم في حكومة رشيد كرامي.

انتخب بطرس نائباً في دورتي 1960 و1964 ولم يحالفه الحظ في دورة 1968. وكان نائباً لرئيس مجلس النواب بين العامين 1960 و1961.

شغل الراحل منصب وزير العدل في حكومة رشيد كرامي بين تشرين الأول 1961 وشباط 1964. وعين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتربية والدفاع في حكومة عبد الله اليافي بين نيسان 1966 وكانون الأول من العام نفسه، ثم عين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية والسياحة في حكومة عبد الله اليافي بين شباط 1968 حتى تشرين الأول من العام نفسه.

تعرض لمحاولة اغتيال بوضع متفجرة أمام منزله في الأشرفية في 28 شباط عام 1977.

بين كانون الأول 1976 وحزيران 1979، أصبح بطرس نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية والدفاع في حكومة سليم الحص. إلا أنه تخلى عن وزارة الدفاع ليحتفظ بالمنصبين الآخرين حتى تشرين الأول 1980. واستمر في منصبه نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية في حكومة شفيق الوزان من تشرين الأول 1980 وحتى عام 1982، بما جعله يبقى وزيراً للخارجية طوال عهد الرئيس إلياس سركيس.

شارك في حفل التوقيع على «الاتفاق الثلاثي» في دمشق في 1985/12/28.

من مؤلفاته: «كتابات في السياسة» (بالفرنسية) 1997.

ومن مواقفه «الفيدرالية الديموغرافية هي أخطر وأخبث من أي شيء آخر» (جريدة «العمل» في 22 آب 1984)، «يجب خلق نظام وسط، حده الأدنى لا مركزية إدارية، وحده الأقصى لا مركزية سياسية» («الاتحاد» في 12 حزيران 1986)، «اتفاق الطائف أعرج وليس مثالياً، لكن ليس من السهل وضع وثيقة مثالية.. لنعتبر أن اتفاق الطائف وثيقة للعمل وليس وثيقة نهائية» (النهار 2000/03/24)، «حرب العراق إذا وقعت سترسم الخارطة الجديدة، فوضى كبيرة ستحل بالمنطقة والاصوليات ستقوى» («السفير» أول شباط 2003).

عيّن بطرس رئيساً للهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية في 18 آب 2005. ومنحته «لجنة إحياء ذكرى الرئيس الياس الهراوي» جائزة الرئيس بتاريخ 7 تموز 2011.