IMLebanon

فؤاد شهاب جديد من أجل «وطنية لبنانية» عابرة للطوائف والمناطق والمذاهب

 

في ذكرى عيد الجيش، نستذكر الرئيس فؤاد شهاب، باني المؤسسة العسكرية بعد جلاء الفرنسيين، وأوّل رئيس جمهورية تقدّمه المؤسسة للبنان.

منذ العام 1958، وبعد «حرب أهلية» أستمرت أشهراً، أصبح الجيش اللبناني مؤسسة فاعلة في الحياة الوطنية اللبنانية. عليه تبنى «التسويات» والمصالحات والتفاهمات، ومنه يخرج القادة والرؤساء والشهداء. لأجل ذلك إستحق الوصف الذي يلازمه دوماً بأنه «خشبة الخلاص»، وإستحق ربطه في مخيلة اللبنانيين بالوطن، كلّ الوطن.

إستطاع الرئيس فؤاد شهاب، ومعه مجموعة من الضباط وقادة الرأي وجزء واسع من الشعب اللبناني، أن يحيل المؤسسة العسكرية نموذجاً وطنياً في الشرف والتضحية والفداء. في الانضباط والوطنية والولاء الكامل للبنان. وفي هذا المعنى تمّ خلق «وطنية لبنانية» عابرة للطوائف والمناطق والمذاهب، يتشكل منها الاساس الذي بُنيت عليه «الهوية اللبنانية» تدريجاً حتى يومنا الحالي.

قبل الرئيس شهاب لم تكن «الفكرة اللبنانية» قد تبلورت بشكل كامل. جزءٌ من اللبنانيين كان لا يزال يتطلّع شرقاً، وجزءٌ منهم غرباً. وجاءت أحداث العام 58 لتعيد هذا التناقض الى الواجهة، وتهدّد الميثاق الذي ارتضاه اللبنانيون عقداً بينهم في المواطنة.

جرت التسوية السياسية بإختيار قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً، وبدأ عهدٌ لبناني مؤسساتي نموذجي لا تزال بصماته ماثلة حتى الآن في مؤسسات الدولة. لم يقم الرئيس شهاب بالمعجزات، بل جاء بالمناقبيّة العسكرية وبالشرف والتضحية والوفاء، ونقل الذهنية التنظيمية من الجيش الى مختلف مؤسسات الدولة.

وقد إصطدم مشروعه أكثر من مرة بالطبقة السياسية الفاسدة، حتى إنه إستقال في تموز من العام 1960 إحتجاجاً على أداء الطبقة السياسية تجاه عهده. وكانت هذه الاستقالة ذروة التعبير عن الصراع في البلد يومها بين تيار «تحديثي» يقوده شهاب ومعه أكثرية نيابية منتخَبة حديثاً، وبين تيار «رجعي» أو «أكلة الجبنة» كما كان يسمّيهم الرئيس. وهو تحالف إقطاعي عريض ممتَدّ من الشمال الى الجنوب ومن البقاع الى بيروت.

هذا التيار رأى بمشروع فؤاد شهاب خطراً على إمتيازاته وزعامته ومنطقه التحاصصي في إدارة الدولة. وقد عززت هذه المخاوف النتائج التي أفضت اليها إنتخابات حزيران 1960، حيث خسر معظم رموز هذا التيار الانتخابات النيابية بمواجهة شباب ومثقفين وأبناء عائلات دخلوا حديثاً الحياة السياسية وجذبهم مشروع شهاب.

يُؤخذ على العهد الشهابي أنه أزاح المدنيين وإستعان بالعسكر. ويُؤخذ عليه أيضاً تعزيز سلطة وحضور ومداخلات المخابرات أو المكتب الثاني في الحياة السياسية. وهذا أمرٌ يحتاج الى نقاش خصوصاً في الشرق.

فالنخبة العسكرية التركية مثلاً هي التي أطاحت بالعثمانيين وأنشأت تركيا الحديثة التي صارت نموذجاً حداثوياً وديموقراطياً في المنطقة، وكذلك الامر جرت محاولات تحديثية في الدول العربية بدءاً من أواخر الاربعينات من القرن الماضي، وكان روّادها ضباطاً وعسكريين.

وهذا الامر مردّه الى أنّ النخبة المدنية بغالبيتها أنذاك، نخبة إقطاعية ورثت الزعامة وتمسّكت بهذا الموروث الذي بدأ يصطدم حكماً مع الحداثة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.

فؤاد شهاب إشتغل بأدوات عصره وبالفكر الذي كان سائداً، وإستعان بطاقات شابة ومثقفة من كلّ الطوائف والمذاهب، لم ينجح مشروعه لأسباب كثيرة. ولكنه في السنوات الست التي قضاها في الحكم، قدّم نموذجاً متميّزاً لرجل الدولة النزيه.

وعلى رغم أنّ غالبية نيابية طالبته بالتمديد عند إنتهاء عهده عام 1964، إلّا أنه رفض التمديد والتجديد، ثمّ رفض أيضاً الترشح من جديد عام 1970، وذلك بعد إنقضاء عهد الرئيس الشهابي شارل حلو، على رغم أنّ «الشهابية» كانت لا تزال فاعلة مؤثرة في مؤسسات الدولة، وكانت حظوظه الأوفر بين المرشحين.

لبنان اليوم أحوج ما يكون الى فؤاد شهاب جديد. مسيحي مشرقي قدماه راسختان هنا، وعقله منفتح يتنقّل في كلّ العالم.