لا يتوقّف أحد المعنيين بالشأن السنّي كثيراً عند الدعوة التي وجهها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة «إلى المشاركة في هذه الانتخابات، وعدم المقاطعة أو الاستنكاف في مواجهة هذه الصدمات والتحديات الكبرى التي يتعرض لها لبنان»، للتوسّع بالمقابل الى التطورات التي أملت على رئيس الحكومة السابق العودة إلى مرجعية دار الفتوى، والاستنتاج أنّ مشروع السنيورة بتزعّم الساحة السنيّة بعد اعتكاف سعد الحريري، سقط عند أسوار بيروت. كيف؟
تتوالى المواقف على الساحة السنيّة بعد قرار رئيس «تيار المستقبل» بالانكفاء عن المشهدية الانتخابية. النائب نهاد المشنوق يعلن العزوف عن الترشّح، فيما دار الفتوى تتصدّى للتوقعات والتحليلات من خلال التأكيد أنّ «الموقف من الانتخابات النيابية واضح للعيان لا تدخّل في العملية الانتخابية ولا دعم لمرشح على آخر ولا دعم للائحة على أخرى، بل سيتم التعاطي بهذا الاستحقاق بكل مسؤولية وطنية جامعة تنحصر في التوجيه نحو اختيار الأفضل لمشروع بناء الدولة ومؤسساتها، وتمتين وحدة الصف الإسلامي على أسس وطنية».
التطور الجديد، تجلّى في كلام السنيورة الذي قال إنّ «الانتخابات النيابية هي بالفعل محطة يجب عدم تفويتها لأنه لا يجوز أن يصار إلى إخلاء الساحة الوطنية والسياسية. وبالتالي، فإن النضال البرلماني يجب ان يستمر ضد هذا الارتهان للنفوذ الإيراني الذي أصبح يحجب ويحمي الفساد السياسي المستشري في الدولة»، ليشير إلى أنّ «الدعوة لمقاطعة الانتخابات تنطوي على شبهة ان لبنان فقد قواه الحية ورضخ للهيمنة». ودعا إلى «المبادرة والمشاركة الفاعلة ترشيحاً واقتراعاً، وأن نتعاون سوية للحؤول دون إخلاء الساحة السياسية للطارئين والمغامرين، كي يبقى أولئك المؤمنون بلبنان ويستمروا على حقيقتهم بكونهم أهل اعتدال يجمعهم إيمانهم بدولتهم ووطنهم وبعيشهم المشترك»، بعدما ألمح إلى أنّه لا يزال في طور دراسة ترشيحه.
إلّا أنّ اللافت كان تغريدة الأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري الذي سارع إلى نشر صورة لرئيس تياره وابن خاله، مؤكداً «موقف سعد الحريري وحده يمثّلني». وهي بمثابة إشارة جليّة الى رفض «الحريريين» طموحات فؤاد السنيورة.
فماذا تعني هذه العجقة في المواقف؟
وفق بعض المعنيين، فإنّ مشروع السنيورة لا يتمثّل في تشجيع السنّة فقط على المشاركة في الاستحقاق وعدم ترك الساحة لقمة سائغة أمام الخصوم، لا بل في سعيه إلى تكريس موقعه كمرجعية سنيّة في زمن التحوّلات الكبرى. إلّا أنّ ردود الفعل الاعتراضية التي لاقاها رئيس الحكومة السابق دفعت به إلى الانكفاء من جديد.
لا يُخفى أنّ الرجل تحمّس في لحظات معينة للترشّح عن أحد مقاعد الدائرة الثانية في بيروت، ثم عاد وناقش مع بعض المحيطين به فكرة دعم لائحة أساسية، غير أنّه لم يلاق أصداء ايجابية من شأنها أن تساعده على تحقيق هذا المشروع.
هو يدرك جيداً أنّ العديد من نواب «المستقبل» ومن يدورون في فلك «التيار» متحمسون للعودة إلى الندوة البرلمانية، خصوصاً اولئك الذين يتمتعون بحيثية شعبية حيث يعيد بعض منهم ترتيب حساباته لتقدير النتائج فيما لو قرر القفز إلى حلبة المصارعة من دون دعم تيار «المستقبل». ولهذا راح السنيورة يجري سلسلة لقاءات ومشاورات مع نواب «المستقبل» البقاعيين والشماليين، على قاعدة العمل على تكوين مظلة سياسية يكون هو مرشدها الروحي. كذلك حاول جسّ نبض بعض مجموعات الحراك الشعبي التي تعمل في بيروت، لكنه لم يوفّق في اقناعها بمجاراة أفكاره.
في الواقع، إنّ البحث عن مرجعية سنيّة، احتل جانباً من نقاشات بعض المرجعيات السنية ونوابها بعدما قرر الحريري النزول عن المسرح السياسي، وحاول البعض الدفع باتجاه تشكيل لجنة فاحصة أو هيئة سياسية برئاسة المفتي عبد اللطيف دريان. إلّا أنّ الأخير رفض الدخول بالمباشر بمتاهة الانتخابات والأسماء والحساسيات، الأمر الذي زاد من رغبة السنيورة في لعب دور محوريّ في هذا الشأن.
ولكن حين تبيّن أنّ هذا الطموح غير مدعوم سعودياً أو مصرياً، ولا نيّة لدى صاحبه لتقديم دعم مالي أو لوجستي لرعاية المرشحين السنّة، تراجع السنيورة إلى الخلف وانكفأ عن مشروعه، كما يؤكد المعنيون الذين يشيرون إلى أنّ المفتي لم يبد حماسة لمشروع من هذا القبيل، ولا حتى رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، مع العلم أنّ السنيورة أكّد خلال مؤتمره الصحافي أنّه وضع ميقاتي في أجواء ما سيقوله وهو على تنسيق دائم معه، لكن المعنيين يؤكدون أنّ القطب الطرابلسي ليس في وارد تسليم دفّة القيادة إلى السنيورة… أمّا الأبواب البيروتية، كما يؤكد هؤلاء، فبقيت مغلقة بوجهه، فيما معركة الزعامة يفترض أن تنطلق من العاصمة. وهو أمر غير متاح بالنسبة لرئيس الحكومة السابق الصيداوي.
يقول أحد السياسيين البيروتيين ممازحاً في مجالسه الخاصة إنّ «الحلوى في بيروت، إمّا تكون مفتّقة، وإما الرز بحليب، أو المغلي، لكنها لم تكن يوماً السنيورة».