Site icon IMLebanon

إدفع يا فؤاد

 

 

مباركة استنسابية القضاء في فتح ملفات الفساد، وتحديداً في ملف الرئيس الأسبق لمجلس الوزراء فؤاد السنيورة. لأنها لن تبقى على استنسابيتها مهما كانت سيناريوات أصحاب المشروع القائم على ضرب الثورة وتفخيخها، وإن بالتقسيط غير المريح للشعب وللوطن.

 

الأهم، ليس التركيز على الـ11 مليار دولار وطرق صرفها وظروفها، وإنما العودة إلى العام 1992 مع تولي الرجل وزارة الدولة للشؤون المالية في الحكومة الأولى للرئيس الشهيد رفيق الحريري. فمنذ ذلك الحين اندلعت المواجهات بينه وبين أنصار النظام الأسدي في لبنان. وأشهرها رفضه صرف اعتماد لشراء سيارات حديثة الطراز للجيش اللبناني الذي كان بإمرة إميل لحود آنذاك، ما استدعى محاصرة مكتب وزارة المال في وسط بيروت على يد النظام الأمني السوري – اللبناني. وقس على ذلك طوال سنوات وجود الحريري الأب في الحكم. فعندما كان يعترض وزير الـ”TVA” على طريقة صرف المال العام بقوله: “بس… يا دولة الرئيس” كلنا يذكر عبارة الرئيس الشهيرة: “إدفع يا فؤاد”.

 

وكان فؤاد يدفع. وكان زعماء الميليشيات الذين شرّعوا وجودهم في السلطة يعززون أرصدتهم المتصاعدة أرقامها بإيقاعات سريعة. حتى أن أحدهم أقر في جلسة سمر، بأنه “لو كان يعرف أن السلام مربح أكثر من الحرب، لما استغرق كل هذه السنوات في المفاوضات وصولاً إلى اتفاق الطائف”.

 

كان فؤاد يدفع، لأن الحريري الأب كان يدفع بدوره ثمن حلمه ببناء دولة عصرية تستقطب العرب والغرب برؤية مستقبلية يؤمن بها، قد نختلف أكثر مما نتوافق عليها وعلى جدواها وكلفتها.

 

وحاول السنيورة الذي تولى الحكومة الأولى لمرحلة ما بعد اغتيال رفيق دربه، أن يطبق ما كان عصياً في ظل الوصاية السورية وإطلاقها يد محاسيبها لنهب خيرات البلد، لكن الغلبة كانت لمفاعيل فائض السلاح، وتحديداً بعد حرب تموز 2006. ولعل أبرزها واقعة الشيكات المزورة لتعويضات تلك الحرب، تماماً كما في قضية الأدوية المزورة أو في مقتل الضابط سامر حنا.

 

والأمثلة لا تنتهي، ولا تقتصر على ملف الصرف وفق القاعدة الإثنتي عشرية التي استمرت حتى العام 2018، أي بعد خروج السنيورة من جنة الحكم، إلا أن استهدافه مستمر لأنه استعصى على التدجين ليس إلا، فالفاسد المدجّن هو المرتجى لاستكمال مصادرة السيادة والإبقاء على واجهة الدولة ومؤسساتها.

 

وبمعزل عما يمكن أن تسفر عنه التحقيقات بشأن أي اتهام لفؤاد السنيورة بالفساد في ظل هذه الصحوة القضائية لتهدئة الثائرين تحت “شعار كلن يعني كلن” أو تحريك شياطين المذهبية عبر سوق مسؤولين من فريق واحد إلى المساءلة، وتوجيه الرسائل إلى من يجب أن يتلقاها لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة، فلا شك في أن كشف هذا الرجل عن الملفات المالية منذ العام 1992 حتى خروجه من السلطة ستكون أشبه بإعصار يطيح بهم “كلهن”. وعن جد “كلهن” سيدفعون الثمن. وليس فؤاد وحده هذه المرة.