ما سرّ حملة «حزب الله» والمستقبل المتواصلة على السنيورة وهل حان وقت تجديد مجموعة العشرين؟
لم تنتهِ حتى الساعة تداعيات الانتخابات النيابية وحساباتُها ربحاً وخسارة، لكنّ اللافت للانتباه أنّ «حزب الله» ووسائل إعلامه ما زالوا يلاحقون الرئيس السنيورة ويتتبعون اجتماعاته ونشاطاته، وهم يسخّرون خطابهم الإعلامي للقول بأنّه خسر الانتخابات ولم يعد له تأثير يذكر في السياسة اللبنانية، بينما يواصل ما تبقى من تيار المستقبل الحملة عليه تحت شعارات خشبية تريد أن تقنع أهل السنة بأنّ خيار الانتحار السياسي الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري كان هو القرار الصائب، وأنّ جهود الرئيس السنيورة للاستنهاض والمشاركة في الاستحقاق النيابي، كانت خيانة وجريمة!
إذا كان الرئيس السنيورة خاسراً ومهزوماً وفاقداً للأثر السياسي، فلماذا استمرار هذه الحملات على رجل مهزوم، ولماذا صبّ كلّ هذا الحقد الذي لا ينتهي على من يعتبر «حزب الله» وتيار المستقبل أنّه اصبح في خبر كان؟
لماذا كلّ هذا الحقد على السنيورة؟
الحقيقة التي لا تخفى على المنصفين هي أنّ هذا الخوف من السنيورة لدى «حزب الله» وتيار المستقبل نابع من أنّ الرجل يمثّل في حقيقة مساره السياسي «الدولة الوطنية العميقة» والوجدان السني العميق، وأنّه رغم كلّ ما تعرّض له من حصارات وعداوات وطعنات، إلاّ أنّه ما زال يمتلك القدرة على المقاومة الحقيقية والصلبة للمشروع الإيراني، وهو في لحظات الضعف يتمكّن من استنهاض مكامن القوة لدى الشارعين السني والوطني.
هذه الحقيقة يدركها أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله الذي لا يخفي حقده على الرئيس السنيورة في كلّ محطة مفصلية، ويدركها أيضاً الرئيس سعد الحريري الذي يتقن الغياب وإنتاج الفراغ، حتى وهو في مركز السلطة الأعلى (رئاسة الوزراء)، لذلك يلتقي نصرالله والحريري على حرب فؤاد السنيورة، لصالح مسار التنازلات أو التسويات الهدّامة التي أوردت البلد موارد الهلاك.
لعلّ أكثر ما أغاظ «حزب الله» من حركة السنيورة هي أنّه أعاد إحياء الثوابت الوطنية للدولة في وجه الدويلة، وثبّت إشكالية السلاح غير الشرعي أمام الرأي العام اللبناني والعربي والدولي.
التغيير ممكن بالتعاون
استطاع السنيورة أن يثبت للجميع أنّ باستطاعة المسلمين واللبنانيين إذا أرادوا وتعاونوا أن يغيِّروا، وأنّ خطاب الهزيمة والأمر الواقع الذي تلاقى عليه تيار المستقبل و«حزب الله» لإقناع اللبنانيين أنّ الانتخابات لن تغيِّر شيئاً، هذا الخطاب وأصحابه، هم الذين تلقَّوا الهزيمة وخسر الحزب الأغلبية، رغم أنّ معارضيه ليسوا كتلة موحدة حتى الآن.
حماية الشراكة الإسلامية المسيحية وهوية لبنان العربية
لعلّ أهمّ ما استطاع فؤاد السنيورة إنجازه في هذه المرحلة هو تثبيت الشراكة الإسلامية المسيحية في جانبها السياسي بعد أن عمل الرئيس سعد الحريري على تحطيمها شرّ تحطيم، وهو الذي فرض على أهل السنة عام 2018 التحالف مع صديقه جبران باسيل، وشنّ حرباً متواصلة على القوات اللبنانية، ليصبح أهل السنة في السياسة بلا حليف مسيحي.
من أخطر ما فعله ويفعله سعد الحريري أنّه يريد إعاد إعادة وضع أهل السنة السياسي إلى ما قبل العام 2005، أي إلى وضعية الخضوع لسياسات العزل الطائفي والتشكيك في الطبيعة السيادية للبنان، وإشاعة أجواء التفرقة والهزيمة أمام سلاح الممانعة.
كما أنّ الحريري أراد عزل أهل السنة عن العرب، وتحديداً عن السعودية، وما نراه من محازبي المستقبل من عداء معلَنٍ وصريح للمملكة يؤكِّد أنّ الحريري وصل في لعبة الابتزاز حتى آخر الشوط.
في المقابل، فإنّ خطاب السنيورة مع الحلفاء، أعاد حضور هوية لبنان العربية وصلاته بالعالم العربي، وخاصة بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج، بعد أن مارس تيار المستقبل طيلة السنوات الماضية سياسات رمادية تتسامح مع الإساءات لدول الخليج، وتتساكن مع عدوان «حزب الله» على الرياض.
هل كان السنيورة بلا تأثير في الانتخابات؟
لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ الرئيس السنيورة هو فاتح الباب أمام كسر دعوة المقاطعة وإطلاق عمليات الترشيح وتشكيل اللوائح ومشاركة الناخبين السنة في العملية الانتخابية، وهو في هذا الموقع، صاحب فضل على من حالفه أو خاصمه من المرشحين واللوائح، على حدٍ سواء. ولولا مبادرته لما شهدنا ترشيحات جدية ولم تصل نسبة الاقتراع إلى ما وصلت إليه في بيروت والمناطق.
ad
كان رهان دعاة المقاطعة أن لا تتجاوز نسبة الاقتراع العشرين في المائة، وأن يسقط الشارع السني في فراغ الترشيح والاقتراع، مما يفسح المجال أمام إشاعة فكرة العجز عن إنتاج أيّ بديل سني، ويعيد هيمنة الرئيس سعد الحريري من خارج مجلس النواب.. لكنّ ما حصل هو أنّ الناس تدفقت للاقتراع، وأنّ مسار التغيير قد بدأ من دون أن يعني ذلك أنّه ممكن بخطوة واحدة أو بضربة واحدة.
في السياق نفسه أوحى المتحاملون على الرئيس السنيورة أنّه خسر في كلّ المناطق ولم يكن حاضراً على الساحة الانتخابية، بينما هو في الحقيقة سجّل نقاطاً متقدمة في المواجهة الانتخابية، رغم ما تعرّضت له اللوائح التي دعمها من ضغوط وتزوير كشفه النائب فؤاد المخزومي عندما زار دار الفتوى بعد انتهاء الانتخابات وصرّح بأنّ لائحة «بيروت تواجه» تعرّضت للتزوير، وخاصة رئيسها الوزير خالد قباني والمرشحة المحامية زينة المصري.
الواقع أنّ الرئيس السنيورة كان شريكاً في العديد من اللوائح التي وصل عدد من أعضائها بحواصل مشتركة، ومنها:
ــ في بيروت: النائب فيصل الصايغ، على لائحة «بيروت تواجه».
ــ في صيدا جزين: دعم السنيورة لائحة «وحدتنا» الأمر الذي مكّن من كسر التيار الوطني الحر وفوز مرشحي القوات اللبنانية سعيد الاسمر وغادة ايوب.
ــ في دائرة زحلة خاض الرئيس السنيورة المعركة متحالفاً مع القوات اللبنانية وفاز في هذا التحالف الدكتور بلال الحشيمي الذي أوضح أنّه ينتمي إلى تكتل الرئيس فؤاد السنيورة الذي اختار ٢٢ شخصاً من المناطق اللبنانية كافةً ليكونوا من ضمن كتله النيابية في المجلس النيابي.
ــ في بعلبك الهرمل كان السنيورة شريكاً فاعلاً في موقعة الصمود في مواجهة بربرية «حزب الله» وسحب المقعد الماروني من فم وحشية الحزب، بعد أن شنّ حرباً شاملة على المرشحين الشيعة، وحاصر الشيخ عباس الجوهري.
ــ وفي البقاع الغربي، شارك السنيورة في معركة منع استهداف وليد جنبلاط وتثبيت المشاركة السنية، ليصل وائل أبو فاعور وغسان السكاف إلى الندوة البرلمانية.
ــ في دائرة الشمال الثانية، دعم الرئيس السنيورة لائحة الدكتور مصطفى علوش ليصل منها عبد العزيز الصمد، بينما حظي أحمد الخير بدعم مباشر من أحمد الحريري.
صحيح أنّ الرئيس السنيورة لم يفز بشكل مباشر في الدوائر التي خاض فيها الانتخابات، لكنّه أثبت أنّه قادر على قيادة الرأي العام نحو الثوابت الوطنية، وأنّه غير معني باستثمار هذا المناخ على النحو الشخصي، وأنّ الأساس هو الحفاظ على المناخ الوطني العام القائم على الشراكة.
تجديد وتوسيع مجموعة العشرين
لطالما شكّلت مجموعة العشرين حلقة تشاور متقدمة حول رؤساء الحكومات، وكان الرئيس السنيورة أكثر الرؤساء مواظبة على التواصل معها، ولا شكّ أنّ المرحلة المقبلة كشفت ثغرات كثيرة في الجسم السني وأداء مؤسساته الرسمية والنخبوية، ومن هنا فإنّ هناك حاجة إلى إعادة تشكيل مجموعة نخبوية متجدّدة، لتكون انعكاساً للتغيير الحاصل في المجتمع السني، ولتتمكن من مواكبة الاستحقاقات، في طريق الضرورة، نحو كيان سياسي سني معتدل قويّ وصاحب مشروع ورؤية وطنية سيادية وتنموية متكاملة.