IMLebanon

مقوّمات بناء دولة سيّدة لها مكانتها بين الأمم

 

 

وفقاً للمؤرخ John Locke إنّ الدولة هي العقد الإجتماعي الذي يتفق الأفـراد فيه على عدم التعّدي على الحقوق الطبيعية لبعضهم البعض أي الحق في الحرية والملكية والعيش الحــر ضمن الأطر القانونية التي شرّعتها شرعة حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة. إنّ الدولة بالمفهوم الحديث هي أحد أشكال الأمن في أرض لها جغرافيتها وحدودها المعترف بها دولياً ذات سيادة تامة ناجــزة ومن أوجه تعريف الدولة أيضا إتفاق الشعب على الوسائل التي سيتم من خلالها حــل النزاعات وسنّ القوانين.

يُشار إلى أن مفهوم الدولة من الضرورة امتلاكها أصول السيادة الوطنية التامة الناجزة على كل شبر من أراضيها، والدولة السيدة هي إرتباط مجموعات من الأفراد في أرض ونظام سياسي معيّن يحترم الأصول السياسية الديمقراطية ويحترم أصول السيادة كما تنص عليه القوانين الدولية المرعية الإجراء.

وفقاً لنصوص العلوم السياسية إنّ مقومات الدولة وعناصر تكوينها أي ما يعرف بـ Elements of the State هي تحديداً المؤهلات والشروط التي يجب أن تمتلكها الدولة على اعتبارها شخصية خاضعة للقانون الدولي. والعلم السياسي يؤكد على أنّ أركان الدولة تتمحور حول الأمور التالية: أولاً – الأرض: Territory أي المنطقة المعترف بحدودها شرعياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي حيث من المفترض دستورياً وقانونياً أن تمارس الدولة سيطرتها عليها والتي تفصلها عن الدول الأخرى بكل ما أوتيت من فرص شرط أن تكون الحماية بواسطة قواها الذاتية وفقاً للأصول القانونية والديمقراطية. ثانياً – الشعب: Population أي العنصر الثاني الأساسي من عناصر تكوين الدولة ويؤكد العلم السياسي إلى أنّ الأشخاص الذين يرتبطون بجزء معيّن من الأرض بالطرق القانونية أي الذين يحملون هوية هذه الأرض هم سكان مستقرّين بما يكفي لاعتبارهم شعباً لهم كيان مستقل تربطهم بالدولة القوانين والإحترام وحرية التعبير كما حرية المعتقد… ثالثاً – الحكومة: Government وهي العنصر الثالث الرئيس في بناء الدولة تُمسِك بزمام الأمور إستناداً للفقه الدستوري – القانوني وإستناداً للنظام الديمقراطي الذي يقدِّس الحريات العامة ويحافظ على سلامة الشعوب ورفاهيتها ويؤمّن مستقبلها ومستقبل الأجيال الصاعدة.

بصفتي مغترب لبناني مقيم خارج الأراضي اللبنانية، وبصفتي إنسان مؤمن بالأديان السماوية ومسيحي ملتزم، وبصفتي رجل أعمال أتعاطى بعض الأمور التجارية خوّلتني خبرتي المتواضعة اختبار العديد من الشعوب نظراً لطبيعة عملي ولصفتي اللبنانية الإغترابية وغالباً ما لاحظت الدول التي زرتها وأقمت أعمالاً فيها أنها تتمتع بنظام سياسي مستقر أداؤه فاعل ويحقق الحكم الرشيد، حيث الجانب السياسي يعزز مكانة الدولة وتأثيرها بين الأمم كما يؤكد الجانب السياسي المُمارس وفقاً للأصول على استمرار أسسها والسلامة العامة من إحتمال حدوث متغيّرات وتحوّلات سلبية في هذا النظام. كما لاحظت جانب مهم لدى هذه الدول ألا وهـو الإطار القانوني الواضح مثل نظام الحكم أو الدستور الذي يحدد المسؤوليات والواجبات ويحقق الحوكمة اللازمة. كل هذه الأمور ويا للأسف لم ألاحظها في دولة لبنان التي أنتمي إليها وكلما تواصلت مع أي بعثة دبلوماسية لبنانية حيث حللت لا ألقى الجواب الكافي والشافي عن هذا الإضمحلال الخلقي – السياسي في وطن هو من إبتدع الحرف وإكتشف القارات… إنه الزنى السياسي بإمتياز.

في الدول التي تحترم نفسها وشعبها هناك الاقتصاد عامل مهم وقوي في تمكين الدولة من التأثير بتوافر الموارد الطبيعية والمهمة ووسائل الإنتاج العلمية وآليات حمايتها والإستفادة منها… ومن جوانب الاقتصاد النظام المالي والعملة والاستثمار والتبادل التجاري والناتج المحلي التي تعزز جميعها قوة الدولة في محيطها المحلي – الإقليمي – الدولي.

تزامناً مع مقالتي هذه التي استعرض فيها بعض مقومات بناء الدولة السيّدة، لفتتني عظة البطريرك الراعي البارحة حيث أعلن عن «إطلاق مجلس الإنماء والتنسيق المسيحي» بإشراف سيادة المطران أبو نجم لأغتنم الفرصة لأسأل صاحب الغبطة وسيادة المطران عن مصير «لجنة الإغاثة» التي تأسست بوجب مرسوم بطريركي ولماذا تمّ صرف النظر عنها؟ وما الغاية من تأسيس لجان ليس بمقدورها أن تُنتج أي برنامج إنمائي في زمن المحل؟ وفي زمن نحن بعيدين كل البُعد عن دولة متراصّة متماسكة وعن حضور مسيحي فاعل سواء أكان في لبنان أو في عالم الإنتشار، لأستطرد وأسأل صاحب النيافة وصاحب السيادة عن مصير «الاجتماع الذي انعقد في أسبوع الآلام» وكان الهدف في حينه جمع النوّاب الموارنة لتسهيل عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. إنّ الإجتماع المُشار إليه لم يُثمر في حينه وحتى لغاية اليوم.