أرفض اتهام جميع الرؤساء والوزراء والنواب بانهم حرامية لأن في الامر انعدام المسؤولية وتعميماً واحكاماً مسبقة تتعارض مع الواقع والمنطق، لكن بينهم حرامية ونصابين وكذابين وأثرياء، من زمن الحرب تاجروا بأرواح الناس، ومنهم مهربون او يغطون المهربين ومافيات سرقة السيارات، ومنهم اصحاب كسارات غير شرعية، ومنهم من يستولي على املاك عامة… وهؤلاء يجب ان يطبق عليهم قانون “من اين لك هذا؟” بطريقة حازمة، ورفع السرية المصرفية عن حساباتهم، ليتمكن المواطن من التعرف الى حقيقتهم ومحاسبتهم في صندوق الاقتراع، وليتمكن القضاة من محاكمتهم تحت قوس العدالة.
في المقابل، تسيء الاحكام المسبقة غير المدعمة باثباتات الى اصحابها، اكثر من المتهمين، لأنها تضعهم في خانة العبثيين، وغير الجديين، والناقمين على كل سلطة قائمة، في مقابل عدم امتلاكهم مشروعا بديلا قابلا للتطبيق على مثال المنادين حاليا بالشيوعية التي سقطت في مهدها، او العروبة التي دفنت في واد سحيق بتواطؤ ضمني بين ارهابيين يرون في الاسلام حلا وحيدا، وبين عروبيين مثقفين انهزموا سريعا امام التمدد الاصولي، وآخرين ممن يصرون على العيش في زمن سابق ويتمسكون بمجموعة عقائد تفيد في دراسة الفلسفة ليس اكثر.
بين هذا وذاك وتلك، نحتاج الى الخروج من الحلقة المفرغة القائمة، عبر بلورة مشروع اصلاحي، وتعديلات دستورية، تقوم اولا على تصحيح ما هو قائم، وتثبيت العيش المشترك عبر المناصفة الحقيقية. والواقع مناصفة وهمية، فيما اقتناص الحصص قائم بوتيرة سريعة. وهذه الحقيقة يجب الا تبقى اسيرة الصالونات، فيما تستمر حفلة التكاذب الاجتماعي على قدم وساق، بينما يغرق البلد في ازمات باتت مستحكمة فيه ولا قدرة له على الخروج منها الا بتدخل خارجي يزيد من اضعافنا وفضح هشاشتنا مرة بعد مرة.
والمشروع الاصلاحي، او حتى المؤتمر التأسيسي، لا يقرر بهذا التسرع الحالي، ولا يعقد بناء لطلب فريق او آخر يريد ان يحقق انتصارا مرحليا وآنيا على شريكه في الوطن، بل يجب ان يتم الاتفاق عليه اساسا، ثم تعتمد الخطوات التي اعتمدها السينودس من اجل لبنان، اي وضع نقاط للتفكير والبحث على مستوى القرى والبلدات، والجمعيات، والجامعات، والنقابات، والاحزاب، ورابطات الموظفين والنواب السابقين والضباط المتقاعدين، ليشمل النقاش كل المستويات ويطال كل شرائح المجتمع وقطاعاته، عندها يتم جمع كل هذه الافكار وتلخيصها، ووضعها في كتيب، قبل عرضها لنقاش هادئ ومستفيض في مجلس النواب، ليصار بعدها الى اجراء تعديلات دستورية بعيداً من ضغط الشارع، والحسابات الضيقة، والمكاسب الآنية، وتدخل الخارج خصوصاً.
هذه العملية تحتاج الى سنتين او ثلاث، وربما الى رئيس جديد يتبناها، ويمضي بها، فيسجل التاريخ اسمه، لانه لم يكتف بإدارة ازمة البلاد، بل ساهم في التأسيس للبنان جديد.