IMLebanon

المؤتمر التأسيسي… عاجلاً أم آجلاً!

بعد مشروع الكونغرس الأميركي الذي يتعاطى مع السنَّة والأكراد في العراق كـ«بلدَيْن»، هل هناك حاجة إلى إثباتات أخرى للإتجاه الذي تسلكه المنطقة؟ وهل يحقُّ للشيعة في العراق أو السنَّة في مناطق أخرى، أن يعترضوا على مشروع لرسم الخرائط تتورَّط فيه القوى الإقليمية الداعمة لكلٍّ منهم، وفقاً للمصالح… حيث توجد؟

يوماً بعد يوم، تتزايد الإشارات إلى المسار الذي يسلكه الشرق الأوسط. ومشروع الكونغرس ليس سوى نقطة في بحر التطوّرات الآتية. وإذ كان البعض يصرُّ على عدم إقتناعه بأنّ «الربيع العربي» هو أداة لإعادة رسم المنطقة، فإنّ الوقائع المتسارعة من اليمن إلى العراق فسوريا تجزم بأنّ هذه الدول، التي تحتفل اليوم بمرور عام على نشوئها باتفاق سايكس- بيكو، ستحتفل في الوقت عينه بسقوطها، بناءً على اتفاقات أخرى!

وأهمية الحرب في اليمن تكمن في كونها إشارة لانتقال الجرثومة إلى الخليج. ولذلك، إندفع السعوديون إلى التدخُّل سريعاً وفي شكلٍ استثنائي وحازم. واندفعوا أيضاً إلى تدعيم البنية الداخلية لتصبح كفيلة بالمواجهة. فالمسألة وجودية بالنسبة إلى دول الخليج العربي: تكون أو لا تكون! والعبث بوحدة التراب اليمني قد يترك تداعياته على كامل الخليج.

وهناك بَلَدان إثنان على الأقل في الشرق الأوسط لن يعودا إلى الحدود السابقة، هما العراق وسوريا:

1- في العراق، يريد الشيعة أن يسيطروا على البلد بكامله. فلأنهم الأكثرية، ولأنهم قادرون على السيطرة الكاملة، بدعم من إيران، فالتقسيم لا يناسبهم.

ويقف السنّة هناك بين خيارين: إما الخضوع للغالبية الشيعية وإما الاستجابة لطروحات «داعش». وفي أيّ حال، هم يفضِّلون التقسيم على الخضوع. وأمّا الأكراد فغير معنيين بالعراق الموحَّد في أيّ حال، وقد وجدوا اللحظة التاريخية المناسبة لتحقيق الطموحات القومية.

2- في سوريا، الصورة معاكسة: العلويون، لا السنّة، هم الطامحون إلى التقسيم إذا لم يستطيعوا الاحتفاظ بكامل البلد. وهذا هو الاتجاه الغالب حتى اليوم. وأما السنّة فيطمحون إلى السيطرة الكاملة، بدعم تركي، ومن خلال «داعش» وأخواتها. ولكن، بالتأكيد، هناك حدود مرسومة لن يتجاوزوها. فنجاحهم في السيطرة الكاملة على سائر سوريا ممنوع إقليمياً ودولياً. ولو كان مسموحاً لسقط الأسد منذ الأشهر الأولى للنزاع.

وعلى رصيف الانتظار، الأردن متماسك اليوم لكنه سيكون حلقة بالغة الأهمية في مستقبل الصراع، ولبنان متماسك أيضاً إلى أن تفرز المنطقة مشهدها النهائي.

ولذلك، يجدر التفكير بالوقائع اللبنانية الخطرة: شلل دستوري متفاقم. فلا رئيس، والمجلس النيابي مشلول، والحكومة تُصرِّف الأعمال، ولا موازنة، ولا تشكيلات، والأرقام المالية والمؤشرات الاقتصادية في أسوأ مستوياتها. نازحون سوريون وفلسطينيون بلا حدود. حربٌ مفتوحة على جبهتين: مذهبية ومع الإرهاب… وانعدام الأفق السياسي لتسويات من أيّ نوع.

هل هذا التردّي مقصود؟

يعتقد كثيرون أنّ جزءاً كبيراً من الأزمة هو من النوع الممكن حلُّه. لكنّ هناك أطرافاً يفضِّلون عمداً إستمرار الأزمة. وهؤلاء يدركون أنّ هناك رغبة دولية بالحفاظ على الحدّ الأدنى من شكل السلطة المركزية في لبنان حتى تبلور المشهد الإقليمي، لكنهم يحتفظون بكلّ أوراق القوّة التي تجعلهم في موقع القوي عند التسويات.

فكثير من هذه الأزمات يستطيع حلّها طرف واحد هو «حزب الله». ولو كان يريد رئيساً للجمهورية لما وقف أحد في وجهه، حتى الحليف، ولجرت الانتخابات النيابية. فـ»الحزب» يترقّب النهايات الإقليمية، وتحديداً في سوريا، ليقرِّر كيف ستكون معادلة القوّة في لبنان. فتقسيم سوريا أو تفتيتها سيترك مضاعفاته الجغرافية والديموغرافية والسياسية على لبنان، بدءاً من البقاع والجنوب، أيْ من بيت «حزب الله».

وأطلق «الحزب» فكرة «المؤتمر التأسيسي» قبل سنوات، ثمّ أبعدها من التداول لسببين: لعدم إحراقها أولاً، ولأنّ الوقت مبكرٌ لظهور التداعيات السورية ثانياً. لكنّ «المؤتمر» يبقى دائماً «الطَبَّة» التي يخبِّئها «الحزب» للأيام الآتية.

ولذلك، سيأتي المؤتمر التأسيسي عاجلاً أم آجلاً، وفيه سيتقرَّر مستقبل لبنان، وسيكون الحلّ النهائي لمعضلة السلاح. لكنّ الظروف التي سينعقد فيها المؤتمر وأيّ لبنان سيولد فيه، فتلك مسألة مرهونة بمسار النزاع الإقليمي. وهذا النزاع طويل الأمد… وطويلٌ انتظار المؤتمر والتسويات اللبنانية!