الأيام الأربعة، بدءاً من اليوم الخميس، التي تفصلنا عن موعد إجراء الإستشارات النيابية الملزمة التي يفترض، دستورياً، أن تنتهي، يوم الإثنين المقبل، بتكليف من يشكل الحكومة… هذه الأيام ستحمل في طيّاتها الكثير من الهواجس والهموم، والمخاوف والتفاؤل في آنٍ معاً، على أمل إنبثاق حكومة ستكون مهمتها الأكثر دقّة في تاريخ لبنان الحديث نظراً للحظة الإستثنائية التي يتوافق فيها تشكيل الحكومة مع الثورة التي حرّكت وضعاً كان أشبه بالموت منه بالحياة.
لقد كان لبنان يموت ببطء: فالأزمة الإقتصادية لم تفاجئ أحداً فهي ليست داهمة بل إنها محصّـلة نهج عمره نحو ثلاثة عقود. والوضع السياسي كان يراوح بين بضع قيادات كل منها تريد الحصة الأكبر… ومن كان يمتلك الحصص يتمسك بها بأسنانه، ومن دخل لعبة المحاصصة أجادها.
وأمّا المواطن فكان يزداد فقراً وعوزاً. وبدت بوادر الجوع تدق الأبواب و… الضمائر. ووجد الناس أنفسهم في متاهة من اليأس: فلا العاطلون عن العمل يجدون عملاً، ولا أصحاب الوظائف (ومعظمها محدود المداخيل) يمكن أن تقوم بأود العيش، ولا الشهادات التي يحملها المتخرّجون تفيد معظمهم بأكثر من زينة على الجدار… أمّا الفساد فكان أكبر من أن يتحمله اللبنانيون، بعدما لم يرتدع الفاسدون عن كشف عوراتهم دونما خجل.
وكان لا بدّ من أن ينتفض الناس… فانتفضوا.
وكانت إنتفاضتهم عظيمة، وحققت كثيراً، وأعظم ما حققته في تقديرنا هو كسر الخوف وإسقاط الهالات، وإظهار الطويّة السلمية في داخل كل لبناني.
وأن يكون البعض سعى (من داخل فاسد أو خارج مفسد) لأن يكون له دور ومنصّة وغطاء في الثورة، فهذا طبيعي ومفهوم وإن كان مرفوضاً بقوة. وبالفعل فقد رفض الثوار هذه المحاولات وكشفوها وحاولوا طرد الدخلاء، وإن كان بعض هؤلاء لم يرتدع بعد عن مسعاه.
المهم أنّ الأيام الأربعة الفاصلة عن الإستشارات الملزمة هي ذات مدلولات أو أقله إستنتاجات: أولها أن الطبخة لم تنضج بعد ولا بدّ من المزيد في مجال التشاور. ثانيها أن كتلاً وتكتلات بعينها لم تتوصل بعد إلى قرار حاسم في من تختار. ثالثها أن بعض المرشحين لرئاسة الحكومة لم يحسم قراره بشكل قاطع بعد. رابعها وأخيرها وليس آخرها أنّ طول الوقت يفسح في المجال أمام التدخلات والمداخلات والبحث في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان… ما يفتح الأبواب على مجموعة جهنمات وليس جهنماً واحداً.
وكان الله في عون لبنان.