رغم مرور أربعة أشهر على شغور منصب رئيس الجمهورية، فإن العماد ميشال عون لا يزال يعتبر نفسه مرشحاً توافقياً أو وفاقياً وينتظر من يطلب منه الانسحاب لا سيما من الرئيس سعد الحريري أو من المملكة العربية السعودية وكأنهما يمونان عليه أكثر من “حزب الله” وإيران… وهو يعلم من جهة أخرى أن استمراره مرشحاً، وإن غير معلن، يعطل نصاب جلسات الانتخاب وهذا لم يحصل في الماضي مع أي مرشح ماروني للرئاسة.
فالمرشح حميد فرنجيه لم ينتظر من يطلب منه الانسحاب للمرشح كميل شمعون إنما هو الذي بادر إلى الانسحاب عندما تبين له أن كفّة شمعون رجحت على كفته في الفوز بإعلان نواب طرابلس تأييدهم له. والرئيس شمعون طلب من نواب كتلته الاقتراع للمرشح اللواء فؤاد شهاب على رغم الخصومة السياسية بينهما، ولم يطلب منهم مقاطعة الجلسة للحؤول دون انتخابه. وعندما اجتمعت الأكثرية النيابية في فندق “الكارلتون” وأعلنت تأييدها للمرشح شارل حلو عدل العميد ريمون اده عن الترشح منافساً له لأن النتيجة باتت معروفة سلفاً، ويومها قال النائب الراحل ادوار حنين لإده: “إن ضعفك في قوتك وقوة حلو في ضعفه”. وعندما لم يتمكن أي من مرشحي اركان “الحلف الثلاثي” (شمعون، الجميل، إده) من الحصول على أصوات كافية من النواب المسلمين للفوز بالرئاسة قرروا تأييد المرشح الوسطي سليمان فرنجيه منافساً للمرشح الياس سركيس، ولم يفعلوا ما يفعله العماد عون اليوم وهو مقاطعة الجلسات لتعطيل انتخاب رئيس أعلى منصب في الدولة ولا يجوز أن يبقى شاغراً لأي سبب من الأسباب لأن هذا الشغور يحدث خللاً في التوازن بين السلطات الثلاث ويضرب روح الميثاق الوطني.
لذلك فما على العماد عون سوى أن يفعل ما فعله مرشحون موارنة أقوياء قبله ليس كرمى لأي مرشح ولا لأي حزب أو دولة إنما كرمى للبنان وشعبه، فلا أحد أكبر من لبنان ولا أحد أكبر من الرئاسة الأولى في البلاد فمن دونها لا ينتظم سير الدولة.
إن لبنان وشعبه وليس أي حزب أو دولة يطلبان من العماد عون الانسحاب من الانتخابات الرئاسية، ولا ينتظر ان يطلب منه ذلك أي حزب أو دولة لأن لكل من يطلب منه ذلك مصلحة قد تتعارض مع مصلحة لبنان.
أما مقولة أن يكون للموارنة رئيس جمهورية قوي كما للسنّة والشيعة، فالقوي هو الذي يكون مقبولاً من غالبية القوى السياسية الاساسية في البلاد، وعندما يفقد هذه الغالبية يصير القوي ضعيفاً مهما كان قوياً بشخصه.
في الماضي كان التنافس على رئاسة المجلس بين الشيعة كما كان ولا يزال بين الموارنة، وكانت انتخابات رئاسة المجلس تشهد تنافساً شديداً بين المرشحين أمثال صبري حمادة وأحمد الأسعد وعادل عسيران وحسين الحسيني لأن التعددية كانت موجودة داخل كل طائفة، وعندما زالت توافقت الطائفة الشيعية على أن يكون نبيه بري مرشحها الأوحد لرئاسة المجلس، وإلا كان له منافس من “حزب الله” أو غيره، وهو ما كان يحصل في الماضي. كما أن الاستشارات لتسمية رئيس للحكومة كانت تشهد تنافساً أيضاً بين المرشحين السنّة عندما كانت التعددية موجودة داخل الطائفة وقد زالت تقريباً كما زالت عند الطائفة الشيعية ولم تعد موجودة الا عند الطائفة المارونية التي في كل استحقاق رئاسي يكثر عدد المرشحين فيها للرئاسة الأولى ومن أوزان مختلفة بحيث يغدو صعباً الاتفاق على مرشح واحد كما هي حالهم اليوم. فهل يطلب من الشريك المسلم أن يتفق على مرشح منهم ولا يقال إن هذا الشريك هو الذي اختاره وليس المسيحيون وهو ما قاله البعض عندما رشح النائب وليد جنبلاط النائب هنري حلو للرئاسة الأولى وعندما تحرك والرئيس بري بحثاً عن رئيس توافقي؟ فما الذي يطلبه هؤلاء المنتقدون… فلا هم يتفقون على مرشح ماروني قوي للرئاسة ولا يدعون غيرهم يتفق عليه؟
الواقع أن موازين القوى اليوم تغيرت عن الماضي، فالموارنة كانوا منقسمين بين موالين ومعارضين، وكان لكل منهم مرشح واحد للرئاسة الأولى يمثل الموالاة ومرشح واحد يمثل المعارضة، وكان الصوت المسلم هو الوازن بينهما. اما اليوم فلم يعد للموارنة مرشح واحد بل عدد من المرشحين حتى داخل الحزب الواحد او التكتل الواحد، فكيف يمكن إيصال مرشح يعتبر قوياً مع وجود مثل هذا الانقسام وكثرة المرشحين، حتى إنه لو صار اتفاق على ترشيح الأربعة الأقوياء في 8 و14 آذار فإن أحداً منهم قد لا ينال أكثرية الأصوات المطلوبة، ولا بد عندئذ من البحث عن مرشح آخر يحظى بها ولا مرشح في الظروف الراهنة سوى المرشح المقبول كي يستطيع إدارة الأزمة بحكمة وحنكة ويحافظ على التوازنات، والمقبول في الظروف الراهنة هو المستقل والمعتدل ومن خارج 8 و14 آذار.