Site icon IMLebanon

أربعة خيارات أمام بريطانيا بعد بركزيت

صوَّتت غالبية البريطانيّين على الخروج من الإتحاد الأوروبي في استفتاءٍ رسمي. وبدأ الندم منذ اللحظة الأولى بعد صدور النتائج.

نايجل فرّاج، رئيس حزب الإستقلال وقائد الحملة للخروج من الإتحاد الأوروبي، أعلن، بعد ساعات قليلة من صدور النتائج، أنّه كان على خطأ عندما أكّد للناخبين أنّ الخروج سيوفّر 350 مليون استرليني في الأسبوع ستُخصَّص للبرنامج الصحّي الوطني، علماً أنّ هذا الشعار كان من الشعارات الرئيسة التي وزّعتها حملته في كلّ أنحاء المملكة. بعد ذلك بأيام استقال من رئاسة حزب الإستقلال الإنفصالي.

بوريس جونسون، عضو الحزب الحاكم الذي كان الركن الثاني في حملة الإنفصال، سارع إلى طمأنة الشعب بقوله، في مقالة نشرها في اليوم التالي بعد ظهور النتائج، إنّ بريطانيا «هي جزءٌ من أوروبا وستبقى هكذا دائماً»، مضيفاً أنّ «مواطني الإتحاد الذين يقطنون في البلاد ستكون حقوقهم محميّة بشكل كامل، وأنّ الشيء نفسه ينطبق على البريطانيين الساكنين في بلدان الإتحاد، ثمّ أعلن عدم رغبته الترشح لرئاسة الوزراء، حلمه الأزلي.

وفي مقالة نشرت بعد التصويت في مجلة «فورين بوليسي»، يقول الكاتب إنّ 1،1 مليون بريطاني، من أصل 17،4 مليون صوّتوا للإنفصال عن الإتحاد، غيّروا رأيهم مباشرة بعد صدور النتائج وسيُصوّتون مع البقاء في الإتحاد إذا سنَحت لهم الفرصة مجدداً، وذلك بناءً على استطلاع أُجري في بريطانيا أخيراً. وتبيّن من الإستطلاع نفسه أنّ معظم هؤلاء اعتقدوا أنّ صوتهم لن يؤثر في النتيجة وأرادوا فقط أن يسجّلوا عدم رضاهم عن أداء حكومة الإتحاد في بروكسل.

المثال الأكثر تعبيراً عن هذه الحالة، هو مثال مقاطعة كورنوول الفقيرة الواقعة في جنوب غرب الجزيرة الإنكليزية. هذه المقاطعة تستلم سنوياً 60 مليون استرليني من الإتحاد الأوروبي كهبة تُخصَّص لتمويل مشاريع البنية التحتية والتعليم.

رغم ذلك صوّت مواطنو المقاطعة ضد البقاء في الإتحاد بغالبية 56 في المئة. ويقول مراسل الـ»واشنطن بوست» من هناك إنّ مواطني المقاطعة أفاقوا في اليوم التالي وهم يتساءلون نادمين: «ماذا فعلنا؟» ويضيف أنّ المسؤولين في المقاطعة هم في حالة هلع وضياع ولا يعلمون كيف سيعوّضون هذه الخسارة.

في هذه الحالات، تغلّب الشعور القومي على المنطق والمصلحة، ولكن في حالات أخرى لم يفهم الكثيرون على ماذا يُصوّتون، إذ أظهَرت عمليات التفتيش على محرّك البحث «غوغل» أنه، بعد ظهور النتائج، ارتفع البحث على المحرّك بشكل غير مسبوق، وأنّ الأسئلة الأكثر ترداداً كانت: «ما هو الإتحاد الأوروبي؟» و»ماذا سيحصل إذا خرجنا من الإتحاد؟»

الجوّ في بريطانيا اليوم إذاً يميل لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي، ومن المنتظر أن ينتشر هذا الشعور أكثر في المستقبل. تنظيم استفتاء آخر غير وارد، رغم وجود عريضة يُقال إنّ مليوني مواطن قد وقّعوا عليها، لأنه من غير المنطقي أن يُعاد الإستفتاء كلما وقّع أناس كثيرون على عريضة. في هذه الحال، ما هي الخيارات المفتوحة أمام المسؤولين البريطانيين بعد الإستفتاء؟

الخيار الأول هو أن تخرج بريطانيا نهائياً من الإتحاد. هذا الخيار ليس سهلاً لأنه يتطلب توقيع اتفاقات ثنائية، مالية واقتصادية وتجارية وغيرها، مع الكثير من دول العالم، إذ إنّ علاقات بريطانيا مع دول العالم في هذه المجالات هي، في الوقت الحاضر، من خلال اتفاقات هذه الدول مع الإتحاد الأوروبي وليس مع بريطانيا مباشرة. على كلّ حال فإنّ هذا الخيار يتعارض اليوم مع ما تريده غالبية البريطانيين.

الخيار الثاني هو نموذج «رابطة التجارة الحرة الأوروبية» (EFTA) واتفاقية «المنطقة الإقتصادية الأوروبية» (EEA) التي تنضوي تحت رايتهما النروج وإسلاندا وليختنشتاين. أعضاء المنطقة الإقتصادية لهم الحقوق والواجبات نفسها التي يتمتّع بها أعضاء الإتحاد ولكنّهم لا يشاركون في صنع القرارات التي عليهم، كما على أعضاء الإتحاد، أن يطبقوها. هذا النموذج موجود وباستطاعة الجهتين، البريطانية والإتحادية، مبدئياً على الأقل، التوصّل إليها بالسرعة المطلوبة.

الخيار الثالث هو النموذج السويسري. فسويسرا التي انضمّت إلى «رابطة التجارة الحرة الأوروبية» انسحبت من «المنطقة الإقتصادية الأوروبية» التي تخوّلها الدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة، وذلك نتيجة استفتاء قامت به سنة 1992.

هذا الإستفتاء الدقيق بنتائجه، كالساعة السويسرية، ربح فيه الرافضون بأكثرية 50،3 في المئة مقابل 49،7 في المئة للفريق الآخر. بعد ذلك التاريخ، قامت سويسرا بمفاوضات دامت سبع سنوات للوصول إلى اتفاقات ثنائية مع الإتحاد الأوروبي شملت حرية تنقّل الأفراد والبضائع والمواصلات البرية والجوية وغيرها، (وُضعت حيّز التنفيذ سنة 2002) ما جعلها تشبه إلى حدٍّ كبير اتفاقية «المنطقة الإقتصادية الأوروبية» وهي تحتوي في مقدمتها بند «المقصلة» الذي يلغي كلّ الإتفاقات المبرمة إذا أخلّت سويسرا بأيّ منها.

الخيار الرابع، والأكثر حظاً في الوقت الحاضر، هو الإهمال. أعداد متزايدة من المسؤولين البريطانيين، بما في ذلك بعض القياديين في الحركة الإنفصالية، بدأوا يميلون إلى ترك الأمور كما هي وعدم استحضار المادة 50 من اتفاقية الإتحاد التي بموجبها تنفصل الدول عن الإتحاد. الأمور الإقتصادية تسير بشكل سلبي ما سيجعل نسباً متزايدة من البريطانيين يساندون البقاء في الإتحاد.

هذا سيعطي الحكومة البريطانية المجال لإهمال نتيجة الإستفتاء. ويشير البعض إلى أنّ الحكومة اليونانية قامت باستفتاء السنة الماضية نتجت عنه غالبية صوّتت لصالح رفض شروط خطة الإنقاذ الأوروبية ولكنها قبلتها على كلّ حال.

خلال الأشهر المقبلة، يقول مساندو هذه الفكرة، سيتعرّف البريطانيون إلى مشكلات الإنفصال وسيرحّبون أكثر وأكثر بالبقاء في الإتحاد الأوروبي. فعلى الحكومة إذاً أن تبدأ، بعد مدة، بالتفاوض مع الإتحاد، ليس على الإنفصال، بل على الطريقة المثلى لبقاء بريطانيا فيه.

المشكلة الأساسية في أيّ محاولة بريطانية للبقاء في الإتحاد (أي الخيارات الثلاثة الأخيرة)، هي أنّ على بريطانيا أن تقبل بمبادئ الإتحاد التي على رأسها الحدود المفتوحة، أي الهجرة الأوروبية إلى إنكلترا.

فإنكلترا بلد مقصد أساسي للهجرة الأوروبية إذ يصل إليها سنوياً نحو مئة ألف أوروبي، أكثر من نصفهم من أوروبا الشرقية،على رأسها بولونيا، وهذا ما يُزعج البريطانيين بشكل أساس وقد يكون السبب الرئيس لنجاح الإنفصاليين.

لذلك، على بريطانيا، إذا أرادت البقاء في الإتحاد الأوروبي، أن تتأقلم بسرعة مع حقيقة مفادها أنّ أوروبا ليست فقط سوقاً مشتركة بل هي أيضاً شعب واحد.