Site icon IMLebanon

سرّ الاتفاق الرباعي الذي لا يزال سارياً

 

 

اليوم، يكون انقضى شهر على استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، من غير تحديد موعد بعد للاستشارات النيابية الملزمة. آخر الاسماء المتداولة لترؤس الحكومة الجديدة، سمير الخطيب، لا يزال احتمالاً اكثر منه يقيناً، وإن بدا الرجل في نظر البعض محظوظاً سلفاً

 

يُرجّح المعنيون بالمشاورات الجارية حسم اسم سمير الخطيب، رئيساً مكلفاً، قبل نهاية هذا الاسبوع. يذهبون في تقديرهم الى احتمال تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة الاثنين، سواء وقعت القرعة عليه او بات من الملحّ ترك الاستحقاق على غاربه، ووضع المشكلة بين يدي مَن تختاره الغالبية النيابية. الذريعة المتداولة ان الوضعين الاقتصادي والنقدي لم يعد في وسعهما تحمّل المزيد من التأجيل. مع ذلك، من غير الواضح ان سلسلة المشاورات القائمة تمكنت، حتى الآن على الاقل، من احراز تقدّم جديد عن كل ما دار منذ استقالة الحريري في 29 تشرين الاول.

 

ما جبهته دعوة الحريري الى اعادة تكليفه ترؤس الحكومة، وقع في فخّه مرشحان اثنان لخلافته هما الوزيران السابقان محمد الصفدي وبهيج طبارة، ويقع فيه حاضراً ثالثهما، الخطيب: التمسك بحكومة تكنو ـ سياسية بعد رفض صارم لحكومة تكنوقراط خالصة، معارضة المداورة في الحقائب، الاصرار على التوزّع الحالي للحقائب السيادية ناهيك بحقائب اخرى حيوية، تمثيل سياسيين حزبيين في الحكومة الجديدة من غير ان يكونوا بالضرورة نواباً الا انهم يمثلون احزابهم على نحو فاقع.

لم يعد عدد الوزراء مهماً. لكن ما لا يمكن تصوّر الاستغناء عنه هو ابعاد الاحزاب عن الحكومة الجديدة.

اما الشرط الاهم الذي يتقدّم ما عداه، فاصرار المعنيين بالمشاورات على «ميثاقية» الحكومة الجديدة، على نحو يوفّر لها أوسع تغطية سياسية وطائفية في آن، كي تحتفظ بصورتها منذ اولى حكومات ما بعد اتفاق الدوحة (2008): ان تكون حكومة وحدة وطنية تمثل التوازن السياسي الذي افضى اليه هذا الاتفاق، وإن في معزل عن العدد الذي تتألف منه. حكومة وحدة وطنية بـ30 وزيراً ليست اكثر اهمية من حكومة مماثلة بـ24 وزيراً، او 18، او 14 وزيراً حتى.

واقع الامر ان رئيس الجمهورية وحزبه التيار الوطني الحر وحليفيهما حزب الله وحركة امل، ناهيك بحلفاء الثنائي الشيعي، كرّسوا الآن هذه المواصفات، فأضحت جزءاً لا يتجزأ من اي محاولة لتأليف الحكومة. وهو مغزى المشاورات التي تعاقب عليها الحريري والصفدي وطبارة مع الثنائي الشيعي، ويخضع لمعاييرها آخر المرشحين المحتملين الخطيب.

الا ان هذه المواصفات كانت في صلب اتفاق ابرمه الحريري مع الوزير جبران باسيل، بتفاهم مع الثنائي الشيعي، في الايام القليلة التي سبقت توافق الحريري والثنائي الشيعي على ترشيح الصفدي لترؤس الحكومة، في 14 تشرين الثاني. لم يكن التوافق على الصفدي الا ترجمة للبنود التي تضمنها ذلك الاتفاق، في مرحلة كان الحريري يرسل اشارات متناقضة، مرة برغبته في العودة الى السرايا واخرى بتخليه عنها.

ظلت بنود الاتفاق الرباعي سارية مع ترشيح طبارة، بعد ايام قليلة على انسحاب الصفدي بانقضاء 48 ساعة فقط على ترشيحه، الى ان جهر الحريري بعدم رغبته في ترؤس الحكومة في 26 تشرين الثاني. في الايام القليلة التي مكث فيها ترشيح طبارة، بالكاد اسبوعاً، اكتفى الحريري بالتأكيد انه يدعم خلفه من غير تقديم التزام جدي بتوفير الغطاء السنّي المطلوب لترشحه. وهو بذلك تخلى عن جزء من بنود اتفاقه مع باسيل والثنائي الشيعي، للمرة الثانية بعدما احجم عنه مع الصفدي. المشكلة التي يجبهها الآن ثالث المرشحين الخطيب.

اما ما تضمّنه اتفاق الحريري ـ باسيل، فهو الآتي:

1 – حكومة جديدة يُتفق مع الحريري على رئيسها، على ان يتولى هو اقتراح اسمه. رغم ان الثنائي الشيعي ظل يعوّل على موافقة الحريري على ترؤسها، الا ان الرجل رفض ما لم يخضع تأليفها لمواصفاته هو، وهي حكومة تكنوقراط خالصة ليس فيها احد يمثل الاحزاب بما فيها حزب الله. رفض الثنائي الاقتراح. كان ثمة شرط آخر: في مقابل وجود الحريري على رأس الحكومة يصير الى توزير باسيل. وهو مطلب يصر عليه رئيس الجمهورية اذ يوازن وجود هذا بذاك: الاثنان معاً في الداخل او الاثنان معاً خارجاً. الامر الذي رفضه الرئيس المستقيل بذريعة ان ليس في وسعه، بإزاء الحراك الشعبي، تحمّل باسيل في صفوف حكومته. مناقشات الرجلين انتهت الى تفاهمهما على عدم ترؤس الحريري الحكومة الجديدة.

2 – الحكومة مختلطة من اختصاصيين وسياسيين، يُتفق لاحقاً على توزّع حصة كل من هذين الطرازين. على ان يُعهد الى كل كتلة ممثلة فيها ان تسمّي هي وزراءها تبعاً لحصتها، سواء كان هؤلاء سياسيين او اختصاصيين، او احد هذين الطرازين دون الآخر. ليس لأي كان وضع فيتو على الاسم المرشح.

 

مواصفات الحكومة باتت أهم من رئيسها

 

 

3 – اتفاق تمنيات لا اتفاق شروط على نحو ان لا يكون الوزراء الاختصاصيون شرطاً لازماً لتأليف الحكومة. كأن إذا لم يختر تيار او حزب احد هؤلاء لا تبصر الحكومة النور. كذلك الامر بالنسبة الى تمثيل بعض القوى والكتل التي سبق ان تحفظت او لا تزال تتحفظ عن الانضمام الى حكومة مختلطة كهذه، كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وجودهما في الحكومة – اذا لم يشاءا – ليس شرطاً لتأليفها، بل يمكن ان يصير الى تأليفها من دونهما. الا ان اي احد لا يفكر في استبعادهما عنها.

4 – يقتضي تمثيل الحراك الشعبي في الحكومة الجديدة بحصة، على ان لا يؤول رفض الحراك مشاركته فيها الى تعذّر تأليفها. امتناعه لا يمنعها، بل تنطلق من دونه.

5 – لا شرط على الحريري ان يشارك في الحكومة بسياسيين او اختصاصيين، وهو طليق اليد في ان يقرر التمثل فيها او الابتعاد. الا ان عليه – اذا عزف عن المشاركة – التزام توفير التغطية السنّية لها. ليس بالاكتفاء باقتراح اسم رئيسها فحسب، بل كذلك حضور جلسة مثولها امام مجلس النواب ومنحها الثقة.

6 – الاختصاصيون الذين يتمثلون في الحكومة الجديدة ينبغي ان يكونوا مسيّسين، من دون ان يكونوا بالضرورة حزبيين.

تلا التوصل الى هذا التفاهم عقد جلستي عمل بين الحريري وباسيل، صار فيهما الى الاتفاق على الاسماء. ثم كانت جلسة ثالثة اكدت الاتفاق والاسماء. لم يؤتَ فيه، في بداياته، على ذكر طبارة والخطيب، وكان الخيار المطروح لرئاستها هو الصفدي.

الى الآن، من بين الافرقاء المعنيين بهذا الاتفاق، لا يزال في حسبانهم ساري المفعول. لم يعلن احد سقوطه. الخطيب مرشح لترؤس الحكومة بناء على مقتضياته وبنوده ايضاً. الا ان مرور بضعة ايام على تداول اسمه من غير احراز تقدّم ملموس في محادثاته مع اطراف الاتفاق الرباعي، يضعه على المحك ويختبر حظوظ الاتفاق والمرشح على السواء.

في ذلك مغزى القول ان حصول استشارات نيابية ملزمة مطلع الاسبوع، في كل الاحوال، سيكون مؤشراً الى موقفين متناقضين تماماً: إما تكريس ترشيح الخطيب ما يعني استمرار مفاعيل التفاهم، او سقوط المرشح والذهاب الى لعبة غامضة.