هل لا تزال الفكرة التي كانت وراء انشاء التحالف الرباعي حية، حتى تعود مجددا بعد عشرة اعوام، فتحاول مجددا الوقوف في وجه مطالب رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون محاولة كسره؟
قيل، وسيقال الكثير، عن ادارة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون لمعركة التعيينات وعن قيامه بخطوات ناقصة ومتعثرة في الذهاب بعيدا في معركة كان يعرف سقفها سلفاً. وقيل ايضا الكثير عن اداء بعض اركان فريقه والاخطاء التي ارتكبوها، قصدا او سهواً، في مسار المعركة والنتائج السلبية التي خلصت اليها.
لكن هذا كله في كفة، واداء الافرقاء الاخرين في كفة أخرى. فبغض النظر عن ملاحظات يبديها سياسيون على اداء عون وفريقه السياسي، ثمة خلاصة يقولها سياسي لبناني، ادت إليها هذه المعركة بعدما شارف الملف على نهاياته، وهي «ان الفكرة التي كانت وراء الذهاب الى التحالف الرباعي عام 2005 اطلت برأسها مجدداً، وكما استبعد عون آنذاك، تتكرر الواقعة اليوم. فمطالب رئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية وممثل لحصة وزارية وازنة بحقائب سيادية، رُفضت جملة وتفصيلا على يد ثنائي التحالف الذي لا يزال حيا منذ عام 2005 بوجه مختلف».
هذه الخلاصة تثير حكما امتعاض بعض سياسيي فريق 14 آذار المسيحيين تحديداً، الذين يحمّلون عون وحده مسؤولية معركة اضافية خاسرة. وكذلك تثير ايضا رفض القوى المتحالفة او المناوئة لعون، كتيار المستقبل والرئيس نبيه بري، وكلٌ لاسباب مختلفة، لكن مراجعة بسيطة تكفي للاشارة الى ان ثمة مخاوف يبديها سياسيون مسيحيون، لا صلة لهم بعون، بشأن ما تمخضت عنه هذه المعركة وما حصل قبلها ايضا حين طالب باجراء انتخابات نيابية ورفض التمديد للمجلس النيابي.
ما قاله بري منذ اشهر حول التعيينات العسكرية، ثبت في النهاية انه الاصح وانه قابل وحده للتطبيق. وما قاله تيار المستقبل ايضا، بصقوره وحمائمه، تبين انه السقف الذي رسمه هؤلاء لما يمكن ان يحصل عليه عون. لم يعط بري لعون، منذ ان زاره في عين التينة ومنذ ان تفاهما وتخاصما مباشرة وبالواسطة، ما يريده وما يطلبه رئيس تكتل التغيير والاصلاح. قال بري كلمته ومشى: «ان اتفقنا على التعيينات كان به، والا فالتمديد امر واقع ولا فراغ».
في لحظات مفصلية، كاد عون ينجح في الحصول على ما يريده من الذهاب الى تعيينات امنية، وفي لحظات حساسة كاد قرار التمديد الثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي على قاب قوسين من الا يصدر، لكن حصل ما لم يكن عون يحسب له حسابا، بعدما استعجل بعض فريقه الربح، وبعدما ذهبت المعركة بينه وبين قهوجي الى حدود لم يسبق ان وصلت اليه. انحاز بري الى قهوجي. ولاول مرة يتناقض موقف بري مع موقف حليفه التاريخي النائب وليد جنبلاط الذي كان منذ اللحظة الاولى مع تسوية لا تكسر عون ولا تنفيه خارج اللعبة السياسية، وان كان الثمن تعيين قائد جديد للجيش، حتى بعد صدور قرار التمديد الثاني. غطى بري نفسه بموقف متشدد ايضا من تيار المستقبل. اراد الرئيس سعد الحريري هدنة اعلامية وسياسية مع عون فمد له جسور الحوار والتفاهمات في روما وبيروت. هدنة كانت بمثابة قشرة الموز التي اطاحت معركة عون على اكثر من مستوى الرئاسيات والتعيينات الامنية وقبلها التمديد للمجلس النيابي.
لم يُعط رئيس اكبر كتلة مسيحية ما يطلبه، رغم انه لم يخض معركة سياسية في الاونة الاخيرة كما خاض هذه المعركة، مستخدما فيها كل الاساليب والعدة اللازمة وصولا الى رفع الصوت مطالبا بالشراكة وباعادة الحقوق المسيحية لاصحابها، لكنّ حلفاءه واخصامه رفضوا الاستجابة لمطالبه التي يرى انها محقة. لا دخل للكهرباء ولا للاتهامات المتبادلة بما حصل، كما لا علاقة ايضا للابراء المستحيل، ولا للتجاذبات حول وزارة الخارجية، ولاداء وزير الخارجية جبران باسيل مع المدير العام هيثم جمعة وتعامله مع الموظفين الشيعة فيها. في يوميات السياسة، ثمة مكان دائما للمماحكات التقليدية في ملفات واتهامات وتنازع حصص، لكن في الخطاب السياسي العام، بدا ان لا مكان للقادة المسيحيين في ادارة الحكم، والا فكيف يفسر امتعاض الحريري من اداء حلفائه المسيحيين الاقربين اذا ما ايدوا مشروع القانون الارثوذكسي الذي يسحب من المستقبل النواب المسيحيين الدائرين في فلكه. بدا في المعركة ان القادة المسيحيين هم شركاء الصورة التذكارية فحسب، اللهم الا اذا كان الهدف من التحالف معهم استخدام بعضهم ادوات في الصراع السياسي. هكذا اسُتخدم الرئيس ميشال سليمان والوزير سمير مقبل تجاه عون الذي يقول سليمان انه خرب له عهده، فبدا الصراع بواجهة مسيحية، فيما خرج بري والمستقبل براء من دم الصدّيق. علما ان معظم الافرقاء المسيحيين وقفوا عند فتح المعركة قبل اشهر على الحياد، فيما انحصرت المعركة بين عون والمستقبل.
هذا في ملف التعيينات، ولكن اين المستقبل وبري ايضا من معركة قانون الانتخاب؟ خاض عون ومعه الافرقاء المسيحيون «ام المعارك» لاعادة صوغ قانون الانتخاب. وهم لم يتفقوا على اولوية كما اتفقوا على الخوض في قانون الانتخاب من حوارات بكركي الى حواراتهم الثنائية والرباعية. لكن الاندفاعة المسيحية قوبلت بتصلب الشركاء الاخرين، والجميع يتذكر ردود الفعل الحادة على التوافق المسيحي على المشروع الارثوذكسي، وصولا حتى اليوم، حيث يجري التلويح بقانون الانتخاب في مرحلة تضييع الوقت. حتى مشروع استعادة الجنسية لا يزال في ادراج المستقبل وبري، رغم كل الوعود والمحاولات المستمرة من جانب القوى المسيحية، التي تستذكر صدور مرسوم تجنيس 200 الف شخص بشحطة قلم عام 1994.
اين حزب الله مما جرى؟
لا يمكن لسياسيين من قوى 14 آذار ومن خارجها ان يقتنعوا بان حزب الله لم يستطع ان يمون على بري طوال المرحلة الماضية، او انه لم يقدر على تدوير الزوايا وهو الذي يجلس مع المستقبل على طاولة الحوار وأدا للفتنة السنية ــــ الشيعية. من يقنع العونيين بأن سقف ورقة التفاهم يقف عند حدود كنيسة مار مخايل فحسب، وان حزب الله لم يتمكن من تغيير اي معادلة بين قريطم وعين التينة، وهو الذي يسعى الى تغيير معادلات في سوريا. وهل خسارة المعارك المتتالية على جبهة عون تصب في رصيد الحزب ام العكس تماما؟
من الاكيد ان ثمة مراجعة دقيقة وصريحة يحتاجها فريق عون وجردة حساب حول مسار المعركة وأخطائها، لكن في المقابل، سيكون ما حدث اخيرا صدى لواقع المسيحيين مهما اختلفت انتماءاتهم: لا رئاسة جمهورية (مهما كثرت الدعوات لاجرائها في البيانات الرسمية) ولا شراكة ولا قانون انتخاب ولا استعادة الجنسية. هناك فقط الصورة التذكارية.