يشكّل الاثنين المقبل 24 تشرين الثاني لحظة استحقاق بالغة الأهمية على صعيد مصير التفاوض الغربي- الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني، وما يمكن أن تعكسه نتائج هذا التفاوض على ملفات المنطقة المفتوحة ومن بينها الوضع اللبناني.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، أنّ الأجواء المحيطة بالجولة الحالية من التفاوض في فيينا، والتي يتوقع أن تستمر حتى الاثنين، غير متفائلة بإمكان حصول تقدّم جوهري، أي التوصّل إلى اتفاق نهائي. وأي اتفاق قد يحصل في الساعات الأخيرة مرتبط بما إذا كانت إيران ستعمد إلى تقديم عرض مقبول من الغرب في اللحظة الأخيرة للتفاوض، ما يقلب الأجواء في حال حصوله، ويشكّل مفاجأة.
كما أنّ الجولة التي انعقدت في سلطنة عُمان لم تأتِ بنتائج وشارك فيها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومسؤولة ملف التفاوض في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف. وعلى الرغم من وساطة السلطنة في المسألة، فإنّ أي تقدم لم يحصل وما زالت الخلافات على جوهر البرنامج ومصيره مستمرة.
الطرفان الغربي والإيراني لا يريدان إعلان الفشل. لكن الأهم في ذلك طريقة إخراج النتائج، تلافياً للقول إنّه الفشل. ومن الواضح أن لا اتفاق على أي نقطة من النقاط العالقة لا سيما المتصلة بخفض أجهزة الطرد إلى معدلات دنيا، والعمل لكي تنعدم قدرة إيران على إنشاء قنبلة، لا اليوم ولا على المدى البعيد.
وتؤكد المصادر أنّ الفشل يعقّد الأمور في المنطقة، كما أنّ الفشل المقنَّع يعقّدها أكثر. وهناك حلول مطروحة للخروج بصيغة مرضية للفشل من دون إعلانه، من بين صيغ عدّة كانت مطروحة طيلة المدة الأخيرة، تحضيراً لاستحقاق 24 الجاري، وجرت مناقشتها. وهناك أربعة احتمالات:
الأول: أن لا يتم إعلان أي موقف وأن لا تقول أي جهة إنّ هناك فشلاً أو عدمه. لكن حصول الفشل وعلى الرغم من عدم إعلانه، سيؤدي إلى صعوبة تعاون إيران في ملفات المنطقة لا سيما في الملف السوري، وفي العراق ولبنان واليمن.
ثانياً: إذا تمّ إعلان الفشل، يعني أنّ إيران ستكمل في المسار النووي. وعندها لن يكون هناك حلّ أمام الغرب سوى فرض عقوبات جديدة عليها، واسترداد العقوبات التي تمّت إزالتها ولو كانت بسيطة، بموجب الاتفاق الأوّلي الذي تم بين الطرفين. كما أنّ إعلان الفشل يعني أنّه من بعد العقوبات هناك خيار سيضطر الغرب إلى استخدامه، وهو خيار الضربة العسكرية، والذي كان مطروحاً إلى أن اتفق على التفاوض، وعاد هذا الطرح آنذاك إلاّ أنّه وُضع جانباً في مرحلة إعطاء فرصة للتفاوض. خيار الضربة لا يريده الرئيس الأميركي باراك أوباما. لكن إذا أكملت إيران في مسار النووي ووصلت إلى مرحلة لم تعد أي جهة قادرة على منعها من صنع القنبلة الذرية، فعندها يكون خيار الضربة العسكرية محتوماً. بموجب الاتفاق الأوّلي، عملت إيران لتجميد العمل ببرنامجها. لكن إذا أُعلن الفشل، فعندها لا يعود هناك شيء يلزمها أن لا تستكمله. وفي هذا المناخ تتعقّد ملفات المنطقة أكثر ويغيب أي تعاون إيراني حيالها.
ثالثاً: التوصّل إلى نصف اتفاق، وإعلان ذلك. وهذا يعني تمديد للأزمة بين الغرب وإيران من جهة، وتمديد للأزمات الإقليمية والشرق أوسطية من جهة ثانية. لكن في حالة «النصف اتفاق»، من المهم مراقبة عدد النقاط التي سيحصل عليها، وهل سيكون مقبولًا من الكونغرس الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، والذي أعدّ لائحة عقوبات جديدة على إيران في انتظار نتائج التفاوض؟ ومن المهم أيضاً أن يكون مقبولاً من المتشدّدين في إيران.
وكلا الطرفين الكونغرس والمتشدّدين الإيرانيين ليسا راضيين عن المفاوضات. وبالنسبة إلى الجمهوريين فإنّ التفاوض لن يؤدي إلى نتيجة. أمّا بالنسبة إلى المتشدّدين الإيرانيين، فإنّ فكرة التخلي عن إنشاء القنبلة النووية غير مقبولة لديهم.
رابعاً: أن يتم تمديد العمل بالتفاوض، عبر إيجاد صيغة ديبلوماسية تؤدّي إلى إعطاء فرصة إضافية أمام التفاوض، كلا الطرفين يحتاجانها، قد يكون هناك تمديد لستة أشهر. مع الإشارة إلى أنّ الاتفاق الأولي ينتهي العمل به بعد التمديد له أربعة أشهر الاثنين، في حين لو مدّد له 6 أشهر لكان انتهى العمل به في 20 كانون الثاني 2015. وقد تم تجديده لولاية أولى لستة أشهر من 20 كانون الثاني إلى 20 تموز الماضي، إلى أن مدّد العمل به لأربعة أشهر فقط وليس إلى 20 كانون الثاني 2015. وكان الاتفاق قد وقّع في 24 تشرين الأول 2013، ولم تتخط مهلة التجديد الثانية استحقاق مفاعيل نتائج الانتخابات الأميركية للكونغرس التي أجريت في 4 تشرين الثاني الجاري، وكان واضحاً أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما وحزبه الديموقراطي سيخسران فيها، وأنّ ما بعد مرحلة الانتخابات في هذا الجو، ستؤدي إلى مفاوضات أكثر صعوبة مع إيران بسبب رفض الجمهوريين لها. كما أنّ المتشدّدين في إيران لم يرتاحوا يوماً إلى هذا التفاوض.
إلاّ أنّ الاتفاق الأوّلي كان مفيداً لإيران التي تأثرت اقتصادياً بالعقوبات الدولية، لا سيما وأنّها تتكبّد خسائر ومصاريف أكثر في سوريا، وأفرج عن قسم من أموالها المجمّدة يبلغ نحو 8 مليارات دولار على دفعتين.