Site icon IMLebanon

اربع كلمات» حاسمة من المقاومة… أقنعت «التلي» بان اللعبة انتهت

خسر ابو مالك «التلي» ومن وراءه مشغليه الاقليميين والدوليين، آخر معاركهم مع حزب الله ، خرج ومعه من تبقى من مسلحي «جبهة النصرة» وعائلاتهم من الاراضي اللبنانية، مهزوما مع مشروعه الاقليمي بعد سنوات من محاولات «التوظيف» التي انتهت «باهداء» الحزب انتصارا جديدا لم يكن محسوبا من معظم الدول المشغلة لهؤلاء، الساعات القليلة الاخيرة قبل تنفيذ بنود «الاستسلام» كانت شاهدة على انعدام القدرة لدى كل هؤلاء على المناورة، «باعصاب باردة» تمت ادارة المفاوضات بتنسيق تام بين مدير المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وقيادة المقاومة، بينما بدأت تتظهر معالم ضغوط جديدة من قبل الولايات المتحدة الاميركية لمحاولة «التقليل» من الخسائر المتراكمة في الجرود…فكيف نجحت عملية التفاوض في اجهاض «الالعاب الصبيانية» «للتلي»؟ وما هي طبيعة الضغوط الجديدة؟

في الشكل، اختار حزب الله لهؤلاء الخروج «المذل» من الاراضي اللبنانية، خرج الارهابيون تحت «عيون « مقاتلي المقاومة على التلال الحاكمة، ومرت الحافلات قرب راية كتب عليها ان «ينصركم الله فلا غالب لكم»، ومعها الاعلام اللبنانية وصور شهداء الجيش اللبناني الذين قتلوا غدرا في تلك الجرود…ما كشف عنه اللواء عباس ابراهيم من مهلة قد تم تحديدها في الساعة الثانية عشرة من ليل الثلثاء الاربعاء، لـ «لتلي» لقبول التفاهم كما هو او العودة الى مربع الحسم العسكري، لم يكن  الا«راس» «جبل الجليد» من تلك الساعات الحاسمة في عملية التفاوض، فاللواء ابراهيم وقيادة المقاومة كانا مقتنعين بان العودة الى الوراء غير واردة «والتلي» محكوم بتنفيذ الاتفاق لانه لا يملك اي خيار آخر، وجل ما كان يريده هو الخروج «بانتصار صغير» يعوض هزيمته الميدانية، لكن القرار اتخذ بعدم منحه ذلك حتى لو كان الامر معنويا

ظن «التلي» انه حصل على «ورقة» رابحة بعد ان ضل ثلاثة عناصر من الحزب الطريق ووقعوا بالاسر بعد وقف اطلاق النار، وباتت محاولاته لرفع سقف «الثمن» معروفة بدءا من المطالبة باطلاق عشرين ارهابيا في سجن رومية الى اصطحاب عدد من الارهابيين معه من مخيم عين الحلوة، لكن ردود الفعل لدى الطرف الاخر شكلت «صدمة» لديه، وتحول هؤلاء الاسرى الى «نقمة» بدل ان يكونوا «نعمة»…فقيادة المقاومة ابلغت اللواء ابراهيم صراحة انه بامكانه اكمال عملية التفاوض دون الوقوع تحت «الضغط» بفعل هذا التطور، لا مجال لتقديم تنازلات غير منطقية «لرجل» محاصر في مربع لا يتجاوز قطره الخمسة كيلومترات، التعديل «البسيط» بما يتلائم مع هذا الحدث يمكن ان «يهضم» بفعل منطق الامور، وغير ذلك لن يمر..

وبحسب تلك الاوساط، ابلغ اللواء ابراهيم «الوسيط» مصطفى الحجيري «ابوطاقية» انه سيقفل هاتفه عند الساعة الثانية عشرة ليلا وسيكون «خارج السمع»، وليتدبر «التلي» اموره مع حزب الله الذي اوصل عبر قنوات خاصة «رسالة» من اربع كلمات الى «التلي» مفادها» بعد منتصف الليل «سنأتي بانفسنا لاخذ اسرانا»، وانت تتحمل مسؤولية هدر دماءك ودماء من معك»…ترافق ذلك مع تحركات ميدانية في الجرود المطلة على آخر مواقع الارهابيين في وادي حميد والملاهي…فهم «التلي» ان وقت «المزاح» انتهى وعاد الى رشده..وانتهى الامر.

في هذا الوقت، ثمة تفاصيل قد تكون «هامشية» للبعض، ولكنها ذات دلالات استراتيجية للسفارات الغربية في بيروت، وفي مقدمتها السفارة الاميركية، وفي هذا السياق، نقلت شخصية لبنانية بارزة عن دبلوماسي غربي في بيروت قوله «ان جرافات حزب الله التي قامت بفتح الطرقات في جرود عرسال كانت بمثابة «رسالة» ابعد من مسألة تسهيل مرور امام الحافلات لتأمين خروج «النصرة» من الاراضي اللبنانية، نحن نفهم معاني هذه الرسائل جيدا، يريدون ان يقولوا لنا ان طريق بيروت دمشق تحت السيطرة ولن يتمكن احد من اقفاله، الايرانيون «يعبّدون  مع مقاتلي الحزب الطريق الرابط بين الحدود العراقية السورية قرب معبر التنف على الحدود الاردنية، والحزب يستكمل هذا الطريق في الجرود العرسالية، نثق ان الجيش اللبناني سيستلم النقاط الاساسية من الحزب ولكنه لن يكون قادرا على تغطية تلك المساحة الجغرافية الواسعة، ومن الجهة السورية سيبقى حزب الله موجودا، وكذلك في بعض النقاط الاستراتيجية على الحدود اللبنانية، وبالتفاهم مع المؤسسة العسكرية وبغطاء سياسي من الرئاسة الاولى، سيتم تبادل الادوار الامنية والعسكرية في المنطقة، كما هو حاصل على الجبهة الجنوبية.. لقد اسقط حزب الله آخر المعاقل المعادية له في «خاصرته» الشرقية، فطرد مسلحي «داعش» في الجرود مسألة وقت لا اكثر ولا أقل، بعد ان نجح الحزب في فرض توقيت هذه المعركة.. لكن حتى في هذه المواجهة المرتقبة لا شيء مضمون، فمشاركة الحزب ميدانيا من جهة الحدود السورية امر متوقع، مما سيجعل النصر مشتركا مع المؤسسة العسكرية»…

انتهى كلام المصدر الدبلوماسي، لكن في المقلب الآخر ثمة «صمت» اسرائيلي لا يخفي القلق الجدي من تنامي قدرات حزب الله، واللافت بحسب تلك الاوساط، ان التقديرات الاسرائيلية قبل انطلاق المواجهات في محيط عرسال، خالفت تقديرات الاجهزة الاستخباراتية الغربية والاقليمية، التي توقعت ان يغرق حزب الله في «مستنقع» مواجهة طويلة الامد تستنزف قواه العسكرية، وجاءت التوقعات الاسرائيلية قريبة من الواقع لجهة القدرة على الحسم القريب وليس السريع، طبعا سقوط «النصرة» خلال 48 ساعة لم يكن في الحسبان، لكن كان الاسرائيليون على قناعة بان حزب الله سيطرد مجموعات «النصرة» آجلا او عاجلا، وذلك بالقياس على الخبرات العسكرية التي اكتسبتها الوحدات الخاصة التابعة للحزب في سوريا، وكذلك التطور النوعي في التسليح، لم يكن الاسرائيليون يحتاجون الى دليل جديد على تطور الاداء الهجومي لمقاتلي الحزب، التطور «التكتي» كان مثيرا للقلق في المعركة الاخيرة، لكن القلق الحقيقي المضاف الى «ذعر» الاسرائيليين هو سيطرة الحزب على تلك المنطقة الجبلية الاستراتيجية ذات التضاريس المعقدة بجبالها العالية واوديتها العميقة، حيث تكثر المغاور والمخابىء الطبيعية المحصنة القادرة على مواجهة اي استهداف جوي، ما يمنح حزب الله مخزنا «طبيعيا» محصنا بعيدا عن مسرح العمليات المعتاد في الجنوب، لتخزين واطلاق الصواريخ الباليستية البعيدة المدى والتي سيكون لها تاثير حاسم في اي حرب مقبلة..

وفي هذا السياق، تحدثت مصادر وزارية بارزة عن «ضغوط» اميركية مبكرة بدات على السلطات اللبنانية لتأمين خروج حزب الله بشكل كامل من تلك المنطقة، هم يدركون ان الحزب لا يريد ان يتحمل عبء الانتشار في مساحات جردية واسعة لم تعد ذات جدوى على المستوى العسكري في المواجهة السورية، ولكن ثمة قناعة بان غياب ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا سيسمح للحزب «بالمناورة» وبالتالي البقاء في مساحات شاسعة برضى من الحكومة السورية، وهي الحجج نفسها التي ستستخدمها الحكومة اللبنانية للتهرب من مسؤولية الالتزام بما لا تقدر على تنفيذه بحكم التوازنات الداخلية القائمة…   

 

وازاء ذلك، تؤكد تلك الاوساط ان ما يجري من ضغوط طبيعي للتشويش على الانتصار المحقق، لكن «ما كتب قد كتب» وليس بامكان هذه القوى تحقيق اي انتصار وهمي،المقاومة تعمل فوق ارضها وهي ليست معنية بتقديم اي «خارطة طريق» للخارج لما ستفعله بعد معركة الجرود، العلاقة مع المؤسسة العسكرية ممتازة وفي احسن احوالها، وكذلك التفاهم مع اغلب القوى السياسية في البلاد، ثمة تفاهمات واضحة مع الدولة على طبيعة المرحلة المقبلة، المقاومة تاخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية اللبنانية، لكنها بالتأكيد ليست معنية بتهدئة «روع» اسرائيل والولايات المتحدة، ولا تأخذ بعين الاعتبار مصالحهما في لبنان والمنطقة، وكل زيادة في القلق لديهما يعني ان الامور تجري على خير ما يرام وفي الطريق الصحيح…