التلاعب برواتب العسكر خطأ لا يغتفر، والتمادي في التلاعب، بفرض الابتزاز السياسي يحوّل الخطأ الى خطيئة.
فالجند عماد المُلك، كما يقول فيلسوف الهند أنو شروان، انما المال عضد الجند. والجيش عنوان شرف كل أمة، كما يقول عبدالناصر، ولن يكون في أمة ضعيفة جيش قوي، ولا جيش ضعيف، في أمة قوية.
وعندما يصل استهوان السلطة الى حياض الجيش، الذي هو العمود الفقري لمؤسسات الدولة، بحجة القانون، الممنوع من الصرف في غالب الادارات والمؤسسات الرسمية، يصبح التساؤل مبرراً، هل هي النكاية أم الرغبة في الانتقام؟
مثل هذا الفاول المالي بوجه الجيش والقوى الأمنية، خدم ويخدم طروحات الحراك المدني المتعدد المشارب والاتجاهات، حول الطاقم السياسي الحاكم، أو المحكوم، والذي حوّل عاصمة لبنان الى مدينة حزينة. وجعل الدولة رهينة سلطة فارغة من القرارات، وزعماء فاقدي الأهلية، دأبهم تقاذف التهم والمسؤوليات من فوق أكوام النفايات المتراكمة في الشوارع، أو من تحت خطوط الكهرباء المشتاقة للتيار…
والراهن ان مثل هذا الواقع علينا توقعه عندما يصبح البلد بلا رئيس جمهورية، برلمانه معطّل وحكومته مشلولة، ووزراؤه مجرد أصوات لرؤساء كتلهم المتصارعة على رديات النفايات، وعوائد الفساد المتحرر من أي رقابة، وصولاً الى تقاسم النفط الهائم تحت قعر البحر.
البعض يقرأ في التصعيد بوجه الجيش والأمن، ما هو أبعد من مجرد الزكزكة، أو حتى ردّ الفعل، يقرأ فيه ما تعرّضت له جيوش أخرى، على أيدي البدائل الجاهزة أو المستعارة، لا سمح الله، واذا أحسن الظن، يمكن أن يرى فيه مدخلاً لفرض رئيس بمواصفات معيّنة، وفي أفضل الأحوال ان يوقع لبنان في أزمة وطنية عامة، على غرار ما نحن عليه تقريباً الآن، تشبيهاً بما حصل في فرنسا عام ١٩٥٨، حينما استدعى الوضع المأزوم من الجنرال ديغول العودة الى الرئاسة كمنقذ للبلد، ولكن أين المنقذ في حالة لبنان الحاضرة؟ أين المنقذ الذي يحظى بالاجماع أو شبه الاجماع؟ وماذا لو ارتفعت الأصوات بالقول: من تعرفه أفضل ممن تتعرّف عليه؟!
قد يكون ثمة من يريد الوصول الى مثل هذا الوضع عن طريق تهجير الرئيس تمام سلام من السراي، بالتنحي أو الاعتكاف، تارة باثارة موضوع آلية عمل الحكومة، أي صلاحيات رئيسها وأخرى بالمطالبة في المشاركة باعداد جدول الاعمال، أو بفرض تعيينات عسكرية وأمنية غير جائزة بغياب رئيس الجمهورية. والا النزول الى الشوارع والساحات للمطالبة بحقوق عائلية تحت ستار الحقوق الطائفية، وصولاً الى المناداة بمؤتمرات تأسيسية، لا تركب على قوس قزح…
بعض الاوساط السياسية، ترى أن ما يجري في لبنان، أقرب الى الفوضى التي وصفتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس ب الخلاقة. فاذا بها فوضى مدمرة لم تبق خلفها في بلاد الاختبار العربي ولم تذر…
وفي رأي الأوساط ان مشكلة النفايات تبقى قابلة للحل، مع قليل من المحاصصة المتوازنة بين حراس المال العام، ومثلها الكهرباء والماء والضريبة على القيمة المضافة، التي تبين انها اضافت وتضيف الكثير الى الجيوب الممتلئة أصلاً.
اما العبث باستقرار المؤسسات العسكرية والأمنية، آخر صروح السلطة الوطنية، او التلاعب بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، أو تكريس الشغور في رئاسة الجمهورية، وبالتالي الاصرار على ربط مصير الاستقرار اللبناني بحبل سرة الأزمة السورية، فذلك سيضاعف الاخطاء والخطايا بحق البلاد والعباد، ولاتَ ساعة مندم.
يقول فولتير في موضوع الأوطان: أحب الحق، ولكن لا أصفح عن الخطأ…