هل ينزل مناصرو «التيّار الوطني الحرّ»، و«القوّات اللبنانية» هذه المرّة معاً الى الشارع، في محاولة رفض تهميش دورهم وكسرهم من قبل الذين يُفترض أن يكونوا شركاءهم في الوطن، وليس المهيمنين عليه؟ لا شيء مؤكّد حتى الآن، تقول أوساط سياسية مواكبة لما تحاول القوى الأخرى في البلاد أن تفرضه خلال الجلسة التشريعية التي دعا اليها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يومي الخميس والجمعة المقبلين.
إلاّ أنّ ما هو ثابت ما بين هاتين القوتين المسيحيتين اللتين وقّعتا «إعلان نوايا»، على ما شدّدت الأوساط ذاتها، أنّ أي أمر طارىء أو غير طارىء لن يعيد علاقتهما الى ما كانت عليه قبل توقيع هذا الإعلان في 2 حزيران من العام الجاري، من قبل كلّ من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. فالتحالف حصل بهدف حماية الدور المسيحي في هذا البلد، كما لاستعادة حقوق المسيحيين التي تُهدر واحداً تلو الآخر. كما أنّ عباءة بكركي التي تُظلّل هذه العلاقة لا بدّ وأن تقود المسيحيين الى شاطىء الأمان.
وتجد الاوساط بأنّ توقيعهما معاً منذ نحو أسبوعين على اقتراح قانون استعادة الجنسية، قد ثبّت تحالفهما ومتّنه، وأكّد مرة جديدة أنّه لن يكون بالسهل على القوى التي تحاول «اكتساب» الجنسية لغير مستحقّيها أن تمرّر مثل هذا التعديل على اقتراح القانون. وما نادى به البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بأن يتخذ البرلمان إجراء تقنيا لكي لا يبقى لبنان في عزلة دولية مالية، كما مطالبته بضرورة وضع قانون انتخابات جديد، وانتخاب رئيس الجمهورية للموافقة على هذا القانون.. كلّها أمور تحفّز «التيّار» و«القوّات» على عدم «مقاطعة» الجلسة التشريعية، لكنّهما لن يوافقا بطبيعة الحال، على كلّ ما يمسّ بحقوق المسيحيين من قريب أو بعيد.
وفي رأي الأوساط ذاتها أنّه يجب التوافق على قانون جديد للإنتخابات يأتي بمجلس نيابي يمثّل اللبنانيين تمثيلاً فعلياً، لا أن يعمد المجلس مرّة جديدة الى المواربة، إن عبر التمديد للنوّاب أنفسهم للمرة الثالثة والتي قد تثبّتهم في المجلس النيابي الى الأبد، كون «الثالثة ثابتة»، أو القبول بقانون بالٍ مثل قانون الستين الذي أعاق التوافق على قانون الانتخاب الجديد خلال بحثه في اللجان.
أمّا خيار الشارع والتصعيد في وجه القوى المهيمنة التي تريد أن تتصرّف في هذا البلد وكأنّه من ضمن ملكياتها الخاصّة، فيبقى ماثلاً أمّام «التيّار»، و«القوّات»، على ما لفتت الأوساط، علّه يكون خير تعبير عن رفض ما يجري من محاولات لإعطاء بعض الطوائف المحظية المزيد من المكتسبات. علماً أنّ التوافق الأميركي- الإيراني حول البرنامج النووي كان لا بدّ وأن ينعكس إيجاباً على العلاقة الداخلية بين المتناحرين سياسياً، لا سيما منهم «تيّار المستقبل» و«حزب الله» من جهة، و«حركة أمل» و»اللقاء الديموقراطي»، والقوى المسيحية من جهة ثانية.
إلاّ أنّ هذا الأمر لم يحصل حتى الآن، وينتظر البعض حدوثه مترافقاً مع بعض التغييرات على الأرض في المنطقة، ولا سيما في سوريا. علماً أنّ القوى المسيحية ترفض ربط مصيرها بمصير أي كان في دولة مجاورة، وتطالب بحقوقها انطلاقاً من الالتزام بالقوانين وضرورة احترامها وتنفيذها، وليس انطلاقاً من أي معطى آخر.
وفيما يتعلّق بعدم التزام لبنان منذ بدء الحرب في سوريا سياسة الحياد، ما جعل الداخل والخارج يُقحمه في الأزمة السورية، ويربط مصير رئيسه بمصير الرئيس السوري بشّار الأسد، تقول الأوساط إنّ «حزب الله» تدخّل عسكرياً في المعارك الدائرة هناك لحماية ظهره، كما المسيحيين الذين جرى تهديدهم من قبل الإرهابيين. وهو لم يدخلها إلاّ لسببين جوهريين: أوّلهما، لجوء «تيّار المستقبل» عبر بعض نوّابه الى تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية لمساعدتها في إسقاط النظام السوري، كونه لا يخدم الطائفة السنيّة في المنطقة. وثانيهما، التهديد المباشر للبنان في حال تمكّنت القوّات المعارضة والجماعات التكفيرية آنذاك من السيطرة على القصير وبعدها على القلمون، الأمر الذي يُساهم في تمدّدهم الى الداخل اللبناني، فأتى التحرّك العسكري ليمنع هذا الأمر ولتحقيق الإنتصارات على أرض المعارك.
فيما عدا ذلك، فإنّ النازحين السوريين جرى فتح الحدود اللبنانية أمامهم، من دون أي اعتراض، من بعض القوى، التي تريد زيادة أعداد الطائفة السنية في لبنان. وهنا تأتي محاولتها لـ «اكتساب» الجنسية اللبنانية لبعض السوريين الذين يؤكّدون أنّ لديهم «شلش» لبناني في عائلاتهم. علماً أنّ «الجنسية السورية» أصبحت اليوم مطمع العديد من اللبنانيين في المناطق الشمالية الذين يستقلّون «قوارب الموت» مع المهاجرين السوريين بهدف اللجوء الى إحدى الدول الأوروبية.
غير أنّ «التيّار» و«القوّات» يؤكّدان معاً، على ما ذكرت الأوساط ذاتها، أنّ لا أحد سوف يحصل على الجنسية اللبنانية، مهما حاول بعض المنتفعين، سوى اللبنانيين المنتشرين في أنحاء العالم، والذين يستحقّونها عن حقّ. ولهذا فلا داعي للمواربة والمطالبة بتعديل اقتراح القانون الذي وقّعت عليه القوة المسيحية الفاعلة على الساحة.