مع تجاوز المهل الدستوريّة لتوقيع مراسيم دعوة الهيئات الناخبة من قبل المسؤولين المعنيّين، أي كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، من دون التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد يُشكّل تسوية وسطيّة لعمليّة «شد الحبال» القائمة بين أكثر من طرف سياسي منذ فترة طويلة، أكّدت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّ «الكباش» بشأن قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبل مُرشّح لأن يشتدّ ويتصاعد خلال الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة.
وفي هذا السياق، أكّدت هذه الأوساط أنّ «التيّار الوطني الحُرّ»، قرّر تطبيق «السيناريو» نفسه الذي سبق أن إعتمده لإيصال العماد ميشال عون إلى منصب رئاسة الجمهوريّة، أيّ التمسّك بموقف حازم، وعدم التراجع أمام أيّ فراغ مُحتمل، ومهما كانت الضغوط كبيرة. وأوضحت أنّ «الجنرال» الذي إنتظر نحو سنتين ونصف السنة للعودة إلى قصر بعبدا بصفة رئيس للجمهوريّة، يعتزم الإنتظار لبضعة أسابيع وأشهر للوصول إلى قانون إنتخابي جديد. وهو يستفيد من دعم «حزب الله» له كما كانت الحال عليها خلال معركة رئاسة الجمهوريّة. وشدّدت هذه الأوساط على أنّ التحالف بين «التيار الوطني الحُر» من جهة و«حزب الله» وأغلبيّة قوى «8 آذار» من جهة أخرى، مُصرّ على رفض إجراء الإنتخابات وفق «قانون الدوحة» النافذ حاليًا، وهو سيُواصل ضغطه التصاعدي، لتأمين التوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات، وإلى إقراره. وبحسب الأوساط السياسيّة نفسها، إنّ «التيار الوطني الحُر» الذي يقوم رئيسه الوزير جبران باسيل، بجهود كبيرة للخروج من المأزق، لجهة طرح القانون تلو القانون على بساط البحث، يُخطّط لمواصلة سياسة «عضّ الأصابع» حتى النهاية، ويعتزم جرّ أكبر عدد مُمكن من القوى السياسيّة إلى صفّه، بشكل تدريجي وتصاعدي، كما حصل عندما بدأت القوى والأحزاب تُعلن دعمها للعماد عون للرئاسة.
لكنّ الأوساط نفسها أشارت إلى أنّه في مُقابل الرهان «العوني»، يُوجد رهان آخر يُعوّل عليه التحالف غير المُعلن القائم بين «تيّار المُستقبل» و»الحزب التقدمي الإشتراكي»، يقضي بأنّ تُضطر مختلف القوى السياسيّة إلى الرضوخ في نهاية المطاف لعامل الوقت، لتليين مواقفها من قانون الإنتخابات، بحيث يتم تقديم تنازلات مُتقابلة، وليس فرض الإنتخابات وفق مبدأ النسبيّة التي تُشكّل إنتصارًا لفريق على فريق آخر. ونقلت هذه الأوساط عن مصادر قريبة من «المستقبل» قولها إنّ الفروقات كبيرة بين مرحلة الفراغ على مُستوى الرئاسة، والفراغ على مُستوى السلطة التشريعيّة، إن حصل. وأوضحت أنّه في ظلّ شغور منصب رئيس البلاد، كانت أمور الدولة مُسيّرة من خلال الحكومة ومجلس النوّاب ولوّ بشكل جزئي، بينما في حال الوُصول إلى فراغ على مُستوى السلطة التشريعيّة، فإنّ الخروج من المأزق قد يحتاج إلى مؤتمر تأسيسي! ولفتت الأوساط نقلاً عن المصادر القريبة من «تيّار المُستقبل»، إلى أنّ الفروقات بين الظرفين تشمل أيضًا مسألة ضغط الوقت، حيث انّ الشغور الرئاسي لم يكن مرتبطًا بفترة زمنيّة، بينما الوُصول إلى الشغور على مُستوى السلطة التشريعيّة سيحصل في غضون ثلاثة أشهر من اليوم، في حال بقاء التعثّر الحالي. وأضافت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ «المُستقبل الإشتراكي» يراهنان أيضًا على موقع رئاسة المجلس النيابي لمنع الفراغ في البرلمان، لأنّ من شأن إنتهاء ولاية المجلس الحالي من دون تأمين البديل، تجريد الطائفة الشيعيّة من منصب قيادي وأساسي على مُستوى الدولة، وهو ما لن تقبله لا الطائفة الشيعيّة ولا رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بحسب رأيها.
وفي السياق عينه، عُلم أنّ رئيس مجلس النواب رافض كليًا لفكرة حُصول أيّ فراغ على مُستوى المجلس النيابي، وأنّه في حال بلوغ المهل الدستوريّة نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي المُمدّدة، سيلجأ إلى خيار طرح مشروع يقضي بتعليق كل المهل الدستوريّة بحجّة تجنّب حال الشلل الكامل، بحيث لا تنتهي ولاية أيّ مؤسّسة أو منصب رسمي قبل عودة الإنتظام إلى مؤسّسات الدولة اللبنانية ككل.
واستبعدت الأوساط السياسيّة المُطلعة في تحليلها النهائي لما سيحصل في المُستقبل القريب، الوصول إلى فرض قانون النسبيّة بالقوّة، أو الوصول إلى فراغ كامل على مُستوى السلطة التشريعيّة، متوقّعة في الوقت عينه أن تُثمر الإتصالات القائمة حاليًا، والتي تترافق مع ضُغوط إعلاميّة وسياسيّة وحتى إجرائيّة، التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد في نهاية المطاف، يكون قائمًا على مزيج بين صيغتي التصويت الأكثري والنسبي في آن واحد. وختمت هذه الأوساط كلامها بالقول إنّ المُشكلة تكمن في التقسيمات الإدارية للدوائر الإنتخابيّة، أكثر منه في طبيعة القانون المُنتظر، لأنّ الأكثريّات الطائفيّة والمذهبيّة هي التي ستُحدّد الفوز في النهاية، بغضّ النظر عن طبيعة القانون الذي سيُعتمد. وتابعت أنّه من هذا المُنطلق سيتمّ إرضاء المُعترضين من خلال مثلاً دمج الشوف وعاليه في دائرة واحدة لجعل الناخبين الدروز الأكثرية، وعدم دمج مناطق الثقل السنّي بمناطق الثقل الشيعي، إلى ما هناك من خيارات لا تؤدّي إلى تغيير جذري بحجم كل من كتلتي «لبنان أولاً» و«جبهة النضال الوطني»، وتتيح في الوقت عينه تحرير صوت الناخبين المسيحيّين في أكثر من دائرة.