IMLebanon

مرارة عونيّة من “حزب الله”: لتضامن داخلي في زمن الحرب

 

 

العلاقة بين العونيين و”حزب الله” ليست بخير.

 

تحت هذا العنوان العريض يمكن التفصيل كثيرا والانخراط في أسباب هذا الانحدار الدراماتيكي في علاقة شكلت حدثا مفصليا منذ 18 عاما.

 

لكن هذا ليس مهما الآن، فالنتيجة الأكيدة أن تفاهم مار مخايل بين أكبر قوتين على الساحتين الشيعية والمسيحية حينذاك، لم يُكتب له النجاح، أو لنقل النجاح حتى الساعة. هذه هي النتيجة مهما تحمل طرف ما وزر ذلك أو مسؤولية أكثر من الآخر.

 

فبعد شهر عسل في الفترات الأولى للتفاهم الذي وُقع في 6 شباط 2006، حدثت الواقعة وافترق العاشقان بعد مرحلة غرام حمّلها “التيار الوطني الحر” على ما يبدو أكثر من طاقتها، بينما تعامل “حزب الله” معها بواقعية أكبر، وإن فوجىء بمدى المرارة العونية والتي تبلورت في شكلها الحالي العميق ونمت منذ المراحل الأخيرة لولاية الرئيس ميشال عون التي اختُتمت في 31 تشرين الأول 2022.

 

 

“سلفة من جانب واحد”

 

 

في الإنجازات الثنائية، لدى العونيين الكثير ليُروى بالتفصيل حول قضايا مثل: العملية العسكرية، “فجر الجرود”، ضد التكفيريين بعد تصاعد خطرهم، الإستقرار الأمني وهو لا يقدر بثمن والإمساك بالخلايا الأمنية كما في طرابلس مثلا وغيرها..

 

هذان إنجازان طبعا العامين الأولين للعهد قبل انفجار 17 تشرين 2019 الذي دمّر سمعة العهد وقضى عليه فعلياً.

 

لكن قبل 17 تشرين ثمة إنجازات تُذكر نتيجة تفاهم الجانبين. فعدالة التمثيل الشعبي إلى حد ما، خاصة للمسيحيين، ميّزت قانون الانتخاب الذي ما كان ليسري لولا دعم “حزب الله” رغم أنف أركان في الطبقة السياسية، ثم مع الانفجار الشعبي الكبير كان الحزب “في ضهر” بعبدا مع أن العهد لم يكن مهدداً لكن موقف الحزب كان داعما تحسبا لأي طارىء..

 

جاءت كارثة المرفأ التي تمايز بها الجانبان عن بعضهما البعض من دون صدام، فاستمرا على تحالفهما لإقرار الإنجاز الأكبر في موضوع الغاز والترسيم البحري بعد إقرار المراسيم وكله من موقع قوة نتيجة حلف المقاومة مع القرار السياسي للعهد.. حسب التياريين.

 

على أن الانحدار جاء إقتصاديا وإجتماعيا، ولعله ما يهم اللبنانيين أولا، فبعد الانتظام المالي وتصديق الميزانيات وعرقلة خطة ماكنزي التي حددت القطاعات المنتجة حيث يجب الاستثمار و”إفشال” شركة التدقيق ألفاريز أند مارسال”، كان الفشل في الحكم وهو أمر يقره الكثير من العونيين (وليس جميعهم). لكن الصحيح أيضا أن الأزمة تفجرت في وجههم بعد تراكمها في المراحل الماضية، في الوقت الذي لا يزال العونيون على مكابرتهم “كون ما حدث في 17 تشرين 2019 كان مؤامرة على العهد وهي ثورة سرقها الزعران”..

 

هنا يستفيض العونيون في سرد المؤامرة التي تعرض لها “الجنرال” الذي يسمع زواره الكثير الذي ليس للنشر اليوم، وهي مؤامرة مستمرة بنظر “التيار الوطني الحر” يقف “حزب الله” متفرجا حيالها (كثير من التياريين يذهبون إلى تواطؤ)، ما لم ينتظره التيار بعد “سلف كثيرة” أحدها وأهمها الموقف الحاضن في حرب تموز 2006.

 

لكن مكابرة التياريين تذهب إلى عدم تصنيف أنفسهم من ضمن المنظومة “المشرشة” منذ التسعينيات التي حاربت الرئيس، خاصة مع إصراره على ممارسة صلاحياته حول أمور شتى كالعلاقة مع مجلس النواب والإشتراك في تشكيل الحكومة وغيرهما.. ومكمن المرارة يتمثل في تخلي الحليف في كتير من القضايا، بكلمات أخرى تخليه عن بند بناء الدولة في تفاهم مار مخايل، وهو انحاز بذلك لصالح حليف الحليف الرئيس نبيه بري وغيره من أركان الطبقة السياسية حتى بات يفضل شخصية مثل الرئيس نجيب ميقاتي على عون و”التيار الوطني الحر” وهو ما يدللون عليه عبر توفير الحزب لشرعية الحكومة مثلاً..

 

يعدد العونيون الكثير من المبادرات تجاه حليفهم الذي يرى بأنه رد الدين وأوفى بإيصال عون إلى سدة الرئاسة. لا ينفي العونيون ذلك لكنهم يضعونه في إطار دعم وطني تحصّل عليه عون وما كان ليحصل لولا الغطاء المسيحي من خصمهم على الساحة “القوات اللبنانية”، ناهيك عن غطاء سني أمنه الرئيس سعد الحريري الذي يحمله كثير من التياريين أيضا مسؤولية في مخاصمة العهد خاصة مع استقالته في عز الهجمة الشعبية بعد 17 تشرين. وهنا لا يكفي للحزب دعم المرشح المسيحي الأبرز من دون مؤازرته في الحكم، فكان من الطبيعي الفشل.

 

 

تباين الأولويات

 

 

بعد مرحلة طويلة من تحييد الحزب عن المنظومة في إفشال العهد، بدأ التبرم وتبلور في مرحلة ما بعد الرئاسة حتى نعي وثيقة التفاهم من دون نكران خاصية العلاقة مع الحزب عن غيره “حسب الموضوع والقضية” وكان آخر الخلافات موضوع “التمديد” لقائد الجيش جوزيف عون.

 

هنا يؤكد التيار أنه لن يخجل من اتخاذ الموقف الذي يراه مناسبا مهما كبرت الفجوة مع الحزب. فـ”التضحية” التي قدمها رئيس التيار جبران باسيل المعاقب دوليا نتيجة عدم خضوعه لسياسة العصا والجزرة الأميركية وتصديه العلني لمسؤوليها ودفاعه عن المقاومة في الداخل والخارج، تضع النقاش في مكانه الصحيح من دون تخوين.

 

يطول الحديث عن العلاقة بين الجانبين ويبقى ما هو مهم من الآن وصاعدا وليس ما سبق، ويحرص العونيون على اتخاذ موقف المتضامن مع الحزب جنوبا في حربه مع العدو. من غير المفيد هنا الحديث عن اشتعال الجبهة وجدواه، بات هذا من الماضي والمهم اليوم التضامن الداخلي واتخاذ الموقف الوطني من الجميع كيدٍ واحدة.

 

يؤكد هؤلاء عدم مساومتهم في موضوع الرئاسة وانفتاحهم على أسماء خارج المرشحين الرئيسيين سليمان فرنجية وجوزيف عون، وفي الكواليس الكثير منها، لكن الموضوع الخلافي أيضا مع الحزب هو أن الأخير لا يرى أولوية رئاسية اليوم وسط استعار الحرب على غزة، بينما ينادي العونيون بضرورة إنهاء الشغور وتحييد الرئاسة عن الإقليم.

 

 

عون مطمئن على التيار

 

على غير السائد خارج التيار يشير المطلعون على بواطن الأمور، إلى أن عون لا يزال متابعا لشؤون التيار، مطمئناً بأن التيار متماسك وواثقاً بباسيل. لكن معضلة العونيين باتت في وقوفهم في المنتصف بين مختلف القوى ما يوحي بفقدانهم للقضية.

 

فحين تأسس التيار كان السبب أولا التحرير من الجيش السوري، وبعد عودة عون من المنفى تصدرت قضية المسيحيين (ولو من دون إعلان حصري)، لكن التفاهم مع “حزب الله” ومآلاته ضربا شعبية التيار فلا هو قادر اليوم على العودة إلى الجذور ولا هو قادر أو راغب بمعاداة الحزب.

 

لذلك سيكون التركيز مستقبلا على قضايا الإصلاح ربطاً بمصير المسيحيين أنفسهم، بعد تعثر الحوار ووقفه مع الحزب حول اللامركزية والصندوق الإئتماني.

 

لكن قضايا الإصلاح التي تجذب النبض الشعبي كثيرة، فالتيار وصل إلى المرحلة الأصعب، حسب هؤلاء، وستتكشف المراحل المقبلة على حراك تياري أكبر فقد حصل الأسوأ وانتهى، بينما وصل أخصامه المسيحيون إلى أوجهم “مع الثورة التي سرقوها” وباتوا في مرحلة تراجعية.

 

وهكذا سيحاول العونيون استعادة بعض ذلك الزمن الجميل.. الذي مضى.