Site icon IMLebanon

الوطني الحرّ يدرس خياراته… فأين ستكون المواجهة؟

حصل التمديد للقادة الأمنيين الثلاثة، قائد الجيش العماد جان قهوجي، رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، كشربة الماء ومن دون أي ردّات فعل سريعة أو تصعيدية من قبل «التيار الوطني الحرّ» الذي رفض التمديد وتهدّد وتوعّد، ما جعل أوساط سياسية متابعة تتساءل عن ماهية الصراع الذي ساد البلاد منذ أشهر حول التمديد للقادة أو رفضه، قبل أن يفتح «تيار المستقبل» ملف النفايات لمواجهة التيّار العوني في الشارع. فالتمديد مرّ، وإن لبس عبارة أخرى هي «تأجيل التسريح» لمدة عام، ولم يشرئب أي معارض له، بالمقارنة مع ما جرى التهديد به، الأمر الذي يثير تساؤلات عدّة.

لم يُتخذ القرار بالطبع قبل أن يقوم وزير الدفاع سمير مقبل بزيارة مفاجئة للرابية ويضع رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» الجنرال ميشال عون وهو المعارض الأول لهذا التمديد في أجواء ما يتمّ التحضير له، غير أنّ العماد عون لم يوافق، بحسب الأوساط نفسها، على هذا التمديد، وإن جرى تبليغه باتخاذه من قبل الوزير مقبل. غير أنّ عدم الإعتراض الشديد من قبل العماد عون، جعل البعض يجد في الأمر تراخياً، أو تسوية ما لم ولن تُعلن في الوقت الراهن. فأن يظهر الجنرال بمظهر «المنكسر» أمام «المستقبل»، أو غير القادر على الإعتراض على قرار مثل التمديد للقادة الأمنيين وإيقافه أو منع تمريره، لن يكون من دون مقابل يصبّ في مصلحة البلد.

وتقول الأوساط انّ ما قيل عن أنّ الخوف من أن يطاول الفراغ المجلس العسكري، قد دفع بوزير الدفاع لاتخاذ قرار التمديد للقادة الأمنيين، ليس سبباً كافياً وشافياً، وليس من أحد، وعلى رأسهم الجنرال عون يريد التعطيل، ولهذا طالب على مدى الأشهر الماضية بضرورة التعيين حفاظاً على المؤسسات الدستورية واحتراماً للقانون. إلاّ أنّ «الكارثة الكبرى» التي ألحقها المسيحيون بأنفسهم، بدأت منذ توقيعهم على «وثيقة الوفاق الوطني» في العام 1989، وعاد نوّابهم بعد ذلك الى لبنان فخورين بما قاموا بهم. وكان العماد عون وحده، من رفض هذا الإتفاق وحذّر من توقيعه، لا سيما من قبل النوّاب المسيحيين، إلاّ أنّ كلامه لم يلق آذاناً صاغية. ولا يزال العماد عون اليوم يكافح لاسترداد الحقوق التي أهدرها النوّاب المسيحيون في الطائف، ظنّاً منهم، أو ما تذرّعوا به، بأنّ وقف النار آنذاك كان أهمّ من كلّ ما سيفقدونه على صعيد الرئاسة والمؤسسات العامة وسواها.

أمّا أن يعود تيّار العماد عون الى الشارع اليوم بعد حصول التمديد، فلا تجده الأوساط نفسها، مجدياً لا سيما أنّ القرار قد اتُخذ ولن يؤدّي الإعتراض أو التصعيد أو حتى إعلان العصيان المدني الى تغيير هذا القرار. كما أنّ النفايات تملأ الشوارع عن قصد من «المستقبل»، لكي تُشكّل حجرة عثرة أمام نزول العونيين اليها. من هنا، تؤكّد أنّ «التيار الوطني الحرّ» سيدرس خياراته ويقوم بما يقترحه، وقد تكون المواجهة هذه المرة سياسية وليس في الشارع.

من البديهي معرفة أنّ ما يحصل اليوم، يزيد من هدر حقوق المسيحيين، والدليل عدم الإكتراث أو إعطاء أي أهمية لمواقف الأكثر تمثيلاً بينهم في المجلس النيابي، ما يتطلّب تضافر جهود المسيحيين، والتحاور واتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة كلّ الأطراف التي تريد التأكيد أنّهم «شريحة مُلحَقة»، وليست أساسية في البلاد، بدليل أنّ كلامها لا يؤثّر سلباً أو إيجاباً في أي قرار تتخذه الأطراف الأخرى، تماماً كما باتت عليه صلاحية رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف، أوافق على قرار مقدّم له، أم لم يوافق.

أن يغرّد طرف مسيحي لوحده، لم يعد يكفي، على ما أظهرت التجارب السابقة، تضيف الأوساط عينها، لهذا لا بدّ من اتفاق ليس فقط «التيّار» و«القوّات» على «إعلان نوايا»، بل جميع الأطراف المسيحية بما فيها «الكتائب» و«المردة» والمستقلّين، على «استرداد حقوق المسيحيين»، ومنع المساس بها مجدّداً. فالفرصة سانحة اليوم للتغيير في ظلّ المشاريع التقسيمية لدول المنطقة على أساس ديني وعرقي وإتني. وعلى المسيحيين الاستفادة ممّا يحصل بهدف إعادة التموضع وتثبيت وجودهم في لبنان، بدلاً من الهجرة، وترك البلاد للطوائف الأخرى.

ولعلّ أكثر ما يعيد للمسيحيين أول حقوقهم هو التوافق على اسم رئيس الجمهورية، والنزول الى مجلس النوّاب لانتخابه، قبل أن يقوم الآخرون ليس فقط باختزال هذا المنصب في مجلس الوزراء، بل بإلغائه والإكتفاء بدور رئيس الحكومة كسلطة عليا في البلاد تقرّر ما تريد برضى أو عدم رضى الفريق المسيحي. ولهذا نادى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، النوّاب المسيحيين مرّات عدّة للإنتخاب لإنقاذ أنفسهم، وكلّ الذين يتبعونهم، ويؤمنون بخطّهم السياسي، من خطر إلغاء وجودهم.

وترى أنّ وحدة المسيحيين اليوم هي المطلوبة لأنّها تقوّيهم وتُعزّز وجودهم المُهدّد من الداخل، قبل أن يكون مهدّداً من التنظيمات التكفيرية، فقد حاربوا طوال سنوات الحرب من أجل هذا الوجود، ونفي من نفي وسُجن من سُجن، ولهذا فهم لن يتخلّوا عنه بسهولة، مهما حاولت الأطراف الأخرى إضعاف دورهم. وبرأيها، أنّه حان الوقت لعقد مؤتمر تأسيسي، أو المطالبة بعقده سريعاً من أجل تعديل كلّ ما سُلب منهم في «اتفاق الطائف»، فضلاً عن الثغرات فيه التي لا حلول لها، إذ أوصلت مرّات عدّة الى الفراغ الرئاسي أو الحكومي، وشلّ المؤسسات في البلاد، دون أن يُساعد الدستور على حلّ معضلات التكليف وتشكيل الحكومة، وقانون الانتخاب والتعيينات الأمنية والعسكرية والديبلوماسية، وصولاً الى انتخاب الرئيس.

ففي الدول المتقدّمة يُصار كلّ عشر أو خمس سنوات، على ما تتابع الأوساط نفسها، الى تعديل القوانين لا سيما تلك التي لا تخدم مصلحة البلاد، أو التي تًعطّل عمل المؤسسات، وذلك من أجل الحفاظ عليها فوق رؤوس الجميع، وليس العكس. كما أنّها تُقفل الباب على كلّ محاولات التحايل على القانون من أجل تجديد أو تمديد أو الإبقاء على الفراغ الرئاسي قائماً الى ما لا نهاية.

من هنا، تحسم الأوساط قائلة إنّ الحلّ للمشكلات الخلافية القائمة اليوم يكون بانتخاب رئيس الجمهورية، قبل أي شيء آخر، لا سيما بعد أن اتُخذ القرار بالنسبة للتعيينات الأمنية. وإذا كان من الأسهل التوافق على قانون الإنتخاب، فلتحصل الإنتخابات النيابية أولاً، وليُقرّر المجلس النيابي الجديد عندها أي رئيس يجب انتخابه لهذا البلد.