جاءت نتيجة الاستطلاع الداخلي التمهيدي لاختيار مرشّحي التيار الوطني الحر إلى الانتخابات النيابية مفاجئة لبعض النواب الذين تصدّروا اللوائح قبل 4 سنوات، ووجدوا أنفسهم في أسفل القائمة اليوم. وكما في عام 2018، تُرجم الاستحقاق «الديموقراطي» مشكلات وشرخاً بين الحزبيين في بعض المناطق، فيما كانت نسبة التصويت ضئيلة جداً، ما يفترض أن يدفع بقيادة التيار إلى مراجعة شاملة لأسباب عدم حماسة العونيين للمشاركة، وما إذا كان ذلك سينسحب على يوم الانتخابات الفعلي
أنهى التيار الوطني الحرّ المرحلة الأولى من الاستطلاع الداخلي التمهيدي لاختيار مرشحيه إلى الانتخابات النيابية. في الاستطلاع الذي جرى السبت، اقترع حاملو البطاقات الحزبية لمصلحة الحزبيين (نواب ومسؤولين ومنتسبين) ممن تقدموا بترشيحاتهم، وصدرت النتائج أمس، أي بعد يومين، من دون أن تُنشر بشكل رسمي. إذ تبلّغ المرشحون نتائجهم في اجتماع دعاهم إليه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مساء أول من أمس. وإذ علّل رئيس التيار عدم نشر الأرقام بعدم الرغبة في تسعير الخلافات الداخلية بناحية «تزريك» المرشحين بعضهم لبعض، إلا أن الأمر الأهم يكمن في نسبة التصويت المتدنّية (نحو 10 آلاف من أصل 50 ألف حزبي) على رغم أن الاقتراع جرى إلكترونياً. ثمّة من برّر ذلك بأن الإعلان عن موعد الاقتراع قبل يوم واحد فقط من العملية، حال دون تمكّن النواب والمرشحين من تحضير قواعدهم وحثّها على المشاركة، فضلاً عن مشكلات تقنية في البرنامج المعتمد لناحية تعذّر تحديث البيانات وبعض الأعطال التي حالت دون إكمال المسجلين تعبئة الاستمارة. على رغم ذلك، ثمّة من يعتبر نسبة التصويت هذه مؤشراً على التململ العوني، ومناسبة لتعيد القيادة تفعيل تواصلها مع الحزبيين وفهم متطلباتهم.
خلافاً لنتائج 2018، حملت نتائج الاستطلاع التمهيدي مفاجآت لنواب حلّوا في آخر اللائحة وخسروا أمام مرشحين مغمورين. ففي قضاء الشوف، حيث بلغت نسبة التصويت 35 في المئة، حل النائب ماريو عون أخيراً، حاصداً 11 في المئة من الأصوات فقط. فيما حلّ الوزير السابق غسان عطا الله أول بنسبة لامست 46 في المئة، تبعه الناشط روني جدعون بنسبة 24 في المئة، وهي نتيجة مفاجئة لمن لم يخض استحقاقاً سابقاً، ثم الجنرال ويلسون نجيم (13 في المئة).
وفي بعبدا أيضاً (نسبة الاقتراع 41 في المئة)، حلّ النائب حكمت ديب في المرتبة الأخيرة بنسبة 9 في المئة، فيما حافظ النائب آلان عون على المرتبة الأولى بنسبة اقتراع لمصلحته ناهزت 39 في المئة، تلاه منسق قضاء بعبدا السابق ربيع طراف بنسبة 25 في المئة، ثم نادين نعمة (13 في المئة) وفؤاد شهاب (11 في المئة). وبذلك استبعد ديب تلقائياً من لائحة المرشحين المتأهلين إلى المرحلة الثانية التي تأهّل إليها كل من عون وطراف فقط نتيجة نيلهما الحاصل الانتخابي.
تعمّد الحزبيين عدم الاقتراع مجدداً لبعض النواب يُعزى إلى غياب هؤلاء عن التواصل المباشر مع القاعدة الشعبية لمصلحة ناشطين من الرعيل القديم ممن شغلوا سابقاً مناصب في هيئات الأقضية وحافظوا على علاقات مع الشباب العوني. وفي الفترة الأخيرة، كان واضحاً حجم الاستياء من النواب، بحسب بعض الهيئات، سواء لناحية الأداء السياسي أو الأداء الإنمائي. في حين تبيّن أن المنسقين القدامى وهيئاتهم تمكنوا من بناء شبكة صداقات في القضاء، مكّنتهم من حجز مكان لهم، لا سيما أنهم على تماس مباشر ويومي مع الشباب، ولأن التجربة الأخيرة التي أتت بمتموّلين ومغمورين أثبتت فشلها.
من هذا المنطلق، تمكن المنسق السابق في المتن الشمالي هشام كنج من الحلول ثانياً بنسبة 28 في المئة بعد النائب إبراهيم كنعان، إذ إن كنج جزء من تركيبة شبابية ناشطة منذ 2010 في القضاء وتمتد من الساحل إلى الوسط فالجرد. أما كنعان الذي توقع كثيرون تراجع شعبيته حزبياً، فقد حافظ على المركز الأول بنسبة ناهزت 40 في المئة من الأصوات، علماً أن نسبة التصويت لم تصل إلى 50 في المئة في القضاء. فيما بدا لافتاً حلول النائب إدي معلوف ثالثاً (21 في المئة)، على رغم أنه ينشط بين الحزبيين ومقرب من الشباب العونيين. علماً أن 11 في المئة من المقترعين صوتوا لصالح «لا أحد»، فيما لم يتقدم النائب الياس بو صعب بترشيحه.
أرقام المرحلة الأولى غير ملزمة ويمكن لمرشّح فائز أن يُستبعد لمصلحة التحالفات السياسيّة
نسبة التصويت المنخفضة معطوفة على تجربة الاقتراع التمهيدي في 2018، تؤكد أن هذه النتائج لا تعكس تماماً نتائج الانتخابات النيابية الفعلية. إذ إن بعض من لم ينالوا أصواتاً كثيرة في «التمهيدية»، حصدوا أرقاماً مرتفعة يوم الانتخابات والعكس صحيح. إذ إن التصويت لا يقتصر على الحزبيين وعلى قدرة النواب والناشطين والمسؤولين على القيام بحملات دعائية، بل على العمل المتراكم الذي لا يمكن تقديره إلا عند فتح الصناديق.
في كسروان (نسبة المشاركة 12 في المئة)، لم تواجه الوزيرة السابقة ندى بستاني أي منافسة، فنالت 75 في المئة من الأصوات مقابل 25 في المئة صوتوا لـ«لا أحد»، فيما لم يتقدّم النائب روجيه عازار بترشحه لدورة أخرى. وعُزي انخفاض نسبة المشاركة إلى غياب خيارات بديلة.
في جبيل، حافظ النائب سيمون أبي رميا على المرتبة الأولى بـ1260 صوتاً حاصداً ضعف أصوات المرشح طارق صادق الذي حل ثانياً (570 صوتاً) وبسام غانم (41 صوتاً). وفيما لم يقدّم أي حزبي ترشيحه في دائرة رئيس التيار جبران باسيل في البترون، نال النائب أسعد درغام القسم الأكبر من الأصوات في عكار، وبدا لافتاً تقدّم عضو المكتب السياسي جيمي جبور على الوزير السابق يعقوب صراف الذي حلّ ثالثاً.
المفاجأة الأكبر كانت في جزين، حيث كان متوقعاً أن يتصدر النائب زياد أسود لائحة الرابحين بفضل مواقفه الصدامية التي يتحمس لها الجمهور العوني، إلا أن الحزبيين اقترعوا لأمل بو زيد الذي تقدّم إلى المرتبة الأولى، ليحلّ بعده أسود ثم النائب سليم خوري. وفي مقابلة في برنامج على وسائل التواصل، قلّل أسود من أهمية النتيجة عازياً إياها إلى انخفاض نسبة الاقتراع، وانتقد «الاستنسابية في المعايير المعتمدة في التصويت»، مشيراً إلى أن «500 صوت في القضاء لا تحسم النتيجة»، محذّراً من «استبدال المناضلين بالمنافقين».
في بيروت الأولى، اقتصر الترشح على النائب نقولا صحناوي ولم يتقدّم النائب أنطوان بانو بترشيحه. وفي عاليه، حصل النائب سيزار أبي خليل على المرتبة الأولى، تلاه مارون أبي خليل ثم إيلي حنّا، كما تصدّر النائب سليم عون لائحة المرشحين في زحلة. فيما لم يترشح في البقاع الغربي سوى شربل مارون، وفي بعلبك الهرمل حلّ روني نصرالله في المرتبة.
باسيل أبلغ الحاضرين في الاجتماع أن التيار سيعمد إلى تبني مرشح حزبي واحد في كل قضاء منعاً لتشتيت الأصوات ومن بينها الشوف، باستثناء بعض الأقضية حيث يمكن للتيار نيل حاصلين كالمتن الشمالي وبعبدا.
وستلي المرحلة الأولى، مرحلة ثانية هي عبارة عن استطلاع رأي قاعدة التيار الكبيرة التي تشمل الحزبيين والمناصرين، على أن تعقبها المرحلة الثالثة المخصصة لاختيار المرشحين وفقاً للتحالفات ولاستطلاعات الرأي. ما يعني أن أي مرشح قد يكون عرضة للاستبعاد حتى لو تصدّر قائمة الفائزين في قضائه إذا اقتضت المصلحة السياسية ذلك. إذ يمكن لرئيس الحزب إدراج أسماء مرشحين لم يتقدّموا بطلبات ترشح لأسباب اضطرارية، ويمكنه أيضاً استبدال حزبي بمستقل بحسب التحالفات واحتمالات الفوز. لذلك، باتت هذه الانتخابات التمهيدية الداخلية تشكل ثقلاً على بعض المرشحين والحزبيين، الذين لا يرون فيها سوى تعزيز للمشكلات بين بعضهم البعض، فيما لا تعبّر نتائجها عن الجو الفعلي لناخبي القضاء. ويسأل البعض عما يحول دون إلغاء رئيس التيار هذا الاستحقاق الشكلي لاستبداله باستطلاعات رأي داخلية وخارجية تجنّب التيار الشرخ الذي يصيبه كل 4 سنوات.
وكانت اللجنة المركزية في التيار أصدرت بياناً مساء أمس، أعلنت فيه انتهاء المرحلة الأولى للانتخابات باعتماد منصة إلكترونية لإبداء الرأي لأكثر من 10 آلاف منتسب واستبيان بواسطة الهاتف لأكثر من 3 آلاف منتسب.