في زمن «التمديد» لكل شيء، من مجلس النواب الى الأزمات المتشعبة، يبرز «التيار الوطني الحر» حزبا مجدِدا في السياسة وفي جسمه كهيكلية حزبية. أصداء التلاقي بين الرابية ومعراب في أوساط البرتقاليين يغلب عليها منسوب عال من الوعي. فالتيار الذي ولد «حالة» وتتطور بثقة نحو المؤسسة الحزبية، قدم نموذجا في التغيير والتجدد في غضون يومين. في استحقاقه الانتخابي حمل عنوان «التيار ينتخب»، وفي الصدمة التي قرر العماد ميشال عون أن يكون اخراجها من معراب رسم عنوان: «التيار يمد الجسور».
في ذهن البرتقاليين كما قيادتهم هناك قناعة بأن «الخطوة التي أٌقدمت عليها معراب ليست مناورة بل هي جدية جدا». ولكن في السياسة ليس هناك «عواطف» أو «تسليفات مجانية». وفق هؤلاء، إن «موقع» جعجع داخل الفلك المستقبلي الأزرق، بكل ما يضم، لم يكن «يحسب له حساب» بالمعنى السياسي في أكثر من محطة، وكان آخرها مبادرة ترشيح سليمان فرنجية التي حلّت كالصاعقة على رأس معراب. أكثر من مرة قالها «الحكيم» بأنه «يحسد عون على حليفه لأنه يدعمه في السراء والضراء». «في الأزرق كان جعجع يذوب، وأما مع البرتقالي فسيعامل على قدر ما يمثل، لا بل ان اتحاده مع عون سيضاعف مكاسبه وحجمه». ومن هنا تؤكد الأوساط البرتقالية ان الاتفاق الجديد بين اللاعبين المسيحيين، لن يكون مرحليا بل يؤسس لخطوات أخرى في المدى البعيد.
انتخابات «التيار» هي الاستحقاق الذي حلم به البرتقاليون نحو طريق المأسسة منذ ان شكلوا «الحالة الشعبية العونية» والتي كانت تفتقر لاطار تنظيمي حزبي. تحقق «الحلم» وجمع التيار قواه البشرية واللوجستية ودخل بثقة «جنة المأسسة» عبر الانتخابات التي خاضها في مختلف المناطق اللبنانية. ترتكز هذه الانتخابات على مراحل ثلاث من المفترض ان تنتهي بعد نحو شهر:
الأولى، انتخابات الهيئات المحلية ومجالس الأقضية، والتي جرت في 17 الجاري. الثانية، انتخاب عدد من أعضاء المجلس الوطني والذين يمثلون قطاعات الشباب والمهن، المقرر اجراؤها في 31 الجاري. والثالثة، تتعلق بتعيينات اللجان المركزية التي من المفترض ان تكون في حكم المنتهية خلال شهر آذار.
لا ينفي الكثير من الحزبيين بأنهم كانوا على بينة من رهان البعض من خارج «التيار» على ان تقاطع ما يسمونها «معارضة جبران» الانتخابات، لكن المفاجأة ان هذا الرهان سقط عند باب مشاركة أكثر من 82% من الحزبيين ترشحا وانتخابا. وبعد الفرز وصدور النتائج، يفتخر هؤلاء بأن «النسبية التي اعتمدها التيار قدمت الفرصة للجميع بأن يشاركوا، فجاءت النتائج متنوعة وفي مناطق مختلفة».
في انتخاباته التي من المفترض ان تحصل كل سنتين، يكون «التيار الوطني الحر» قد كسر «فزاعة» النسبية التي يحملها البعض على قاعدة أنها «معقدة وليس بمقدور جميع المواطنين فهمها». قبل يوم الاستحقاق، قام التيار بعقد سلسلة محاضرات توعية مع شريط فيديو يبسّط آلية الانتخاب والفرز والحساب. نفذ البرتقاليون «انتخابات نظيفة» لا أخطاء فيها، لا في الاقتراع ولا في احتساب الأصوات. 12 ألف حزبي خاضوا النسبية في سبعة أقضية «من دون ضربة كف».
وبعد اليوم الطويل الذي مدد ساعة إضافية نظرا للإقبال، كان لا بد من جلسة تقويمية أفضت، بحسب المنظمين، الى تسجيل التالي: ثغرة وحيدة تتعلق بضيق مكاتب «التيار» التي جرت فيها عملية الاقتراع، حيث تكدس الناخبون، وسوف يعمل على تجنبها في الانتخابات المقبلة. بالاضافة الى شكوى يتيمة وردت من بعض البرتقاليين الى مركزية «التيار» وتتعلق بأن الاقتراع تم على أساس النفوس وليس مكان النشاط فكان الجواب بأنها «طريقة الانتخاب في لبنان ويجب مجاراتها».
يسجل لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أنه في عهده خطا «التيار» خطوته الاولى في مشوار ترسيخ مأسسته بأن فتح باب محاسبة كل من انتخب، وحفّزه بالتالي على العمل لكي يحافظ على ثقة ناخبيه كل سنتين. دم جديد ضخه «التيار» في جسمه، سواء في التجديد لمن كان في موقع المسؤولية أو في حفاظ آخرين على ثقة ناخبيهم. دم برتقالي جديد مصمم على العمل من أجل خير الحزب والبلد. وربما من شأن هذا الدم أن يحل مكان الدماء التي لم يتذكرها كثيرون خلال اعلان رئيس «القوات» تبنيه لترشيح عون للرئاسة.