Site icon IMLebanon

الحكومة الهشّة معلّقة على حبل العاصفة الإقليمية

لا تحتاج الحكومة إلى أي تبريرات لتأكيد هشاشتها، ولا لتأكيد مبررات وجودها. تبقى السجالات حول بعض القضايا مناوشات محدودة، لأن لا قرار بانفراط عقدها وسط العاصفة الإقليمية التي تزداد حدة

أمام أزمة كبيرة كالتي تعيشها المنطقة حالياً، تبدو القضايا المحلية الداخلية باهتة، قياساً الى حجم المخاطر المترتبة على مرحلة ما بعد «عاصفة الحزم» في اليمن وارتداداتها في الشرق الاوسط، رغم أن المحاولات مستمرة داخلياً لتضخيم الاحداث المحلية وجعلها أولويات في زمن تراجع الاهتمام الدولي والاقليمي بلبنان الى حدّه الادنى.

اليوم، هناك استحقاقات إقليمية متتالية يفترض بلبنان التعامل معها بروية، لمعرفة اتجاهات الريح التي ستهبّ عليه: كيف سيتطور الدخول السعودي في أزمة اليمن؟ وهل يمكن التحول من الضربات الجوية الى تدخل بري كما طالب أمس وزير الخارجية اليمني رياض ياسين لـ»حماية عدن»؟ والى أي حدّ يمكن أن يكون تحرير أجزاء كبيرة من تكريت الذي أعلنه أمس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كاملاً ولا يتعرض لنكسات عشية زيارته لواشنطن منتصف نيسان الجاري؟ والى أي مدى تذهب التطورات الميدانية السورية بعد سقوط إدلب في يد «جبهة النصرة»؟ وهل ستتطور الاوضاع العسكرية في اتجاه محاولة السيطرة على كامل منطقة حلب أو قطع طريق حماه أو اللاذقية، أم ان معركة إدلب ونتائجها ستغري بعض الفصائل بفتح معركة القنيطرة والجولان؟

ثمة توقعات كثيرة في المنطقة المتحركة تحتاج الى بعض الوقت لجلاء صورتها، واتضاح صورة الجبهات القديمة والجديدة. ومن المبكر الكلام عن مشهد نهائي للشرق الاوسط لا يمثل فيه لبنان اليوم إلا جزءاً لا يذكر. مع ذلك، تتكوّن لدى سياسيين انطباعات بأن الاطراف الاساسيين لا يتعاملون مع الوضع الداخلي وكأنهم على بينة حقيقية من هذه المخاطر، التي إن كان لها من مردود إيجابي على الوضع، فهو إبقاء الحكومة على قيد الحياة رغم كمّ القضايا الخلافية بين أطيافها.

حدّة السجالات لن

تطيّر الحكومة ما لم يُمس بعد بالمسلّمات التي استوجبت تأليفها

يمثل التمديد للقادة الأمنيين واحدة من القضايا الداخلية التي تنقسم القوى السياسية حولها وقيل فيها الكثير، بين داع الى التعجيل في التعيينات الامنية بحسب ما كرر أمس تكتل التغيير والاصلاح، رافضاً التراجع عنها، ومؤيدين للتمديد، ومنهم سياسيون من خارج الاصطفاف الحالي، يرون أن الطرح اليوم في غير محله وزمانه، لأن المشكلة اليوم تتعدى إطار الاشخاص والمواقع وقانونية تأجيل التسريح أو التمديد، وحتى إنها تتعدى جوهر القضية، مهما كانت أحقيتها، ليس لأن الوقت لا يزال مبكراً لبلوغ الاستحقاقات موعدها النهائي، بل لأن عاصفة المنطقة تقتضي التروي في فتح ملفات يمكن أن تؤثر في وضع لبنان الامني. وتمثل قضية الانسجام الحكومي والإجماع على موقف لبنان من «عاصفة الحزم» وحرب اليمن، قضية ثانية، في ضوء الاختلاف بين فريقين في قراءتهما لحقيقة موقف لبنان الرسمي، حتى لجهة تأييد فريق لكلام رئيس الحكومة تمام سلام وتأييد آخر لكلام وزير الخارجية جبران باسيل. وستمثل لاحقاً قضية مشاركة لبنان في القوة العربية المشتركة المفترض مبدئياً تأليفها قضية ثالثة في ضوء ما ستحمله الايام المقبلة من احتمالات حصول توافق عربي حولها.

ثمة قضايا أخرى مرشحة لأن تكون مادة سجالية بين الاطراف السياسيين. لكن هناك مسلّمة أساسية ستحكم هذه السجالات، هي أن الجميع ملزمون العمل تحت سقف المشاركة في الحكومة التي استغرقت القوى السياسية أحد عشر شهراً لتشكيلها. وعدا الفراغ الرئاسي الذي لا يزال يشكل عاملاً أساسيا في الإبقاء على الحكومة، فإن التطورات الاقليمية التي تأخذ منحى خطراً يوماً بعد آخر، صارت بدورها عاملاً حيوياً في الإبقاء على السلطة التنفيذية في لبنان قائمة.

في الايام الاخيرة، تحدثت أوساط في تيار المستقبل بجدية عن قرار أبلغه العماد ميشال عون الى حزب الله بأنه سيعلق مشاركته في الحكومة إذا لم تضع يدها على التعيينات الامنية، وإذا سار حلفاؤه تحديداً في التمديد للقادة الامنيين. وتوسع إطار هذا الكلام ليُتداول في أوساط مسيحية، رغم أن معارضي عون من المسيحيين لا يثقون بأنه قد يقدم على خطوة من هذا النوع تخرجه من السلطة في الوقت الراهن، مذكّرين بأن نواب تكتل التغيير والاصلاح لم يقدموا استقالتهم من مجلس النواب حين مدّد لهم. لكن ناقلي هذه الاجواء «المستقبلية» أكدوا أن التمديد للقادة الامنيين سائر خارج الحكومة، على قدم وساق، وأن الحكومة مستمرة ولو انسحب وزراء عون منها، وستبقى حكومة تصريف أعمال كما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

جاءت مواقف حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله من تطورات اليمن والردود عليه، ومن ثم اعتراض الحزب على موقف رئيس الحكومة تمام سلام في شرم الشيخ، لتعطي لبقاء الحكومة استحقاقها الحقيقي. فحين يصرّ نصرالله ويلاقيه الرئيس سعد الحريري على الاستمرار في الحوار رغم التباين الحاد بينهما حيال اليمن والموقف من السعودية، فهذا يعني أن الطرفين لن يغامرا في وقف الحوار ولا في السماح لأي مشكلة تتعلق بعملها البنيوي (كما حصل في مشكلة التوافق على قراراتها)، بأن تؤدي الى تطيير الحكومة، مهما بلغت حدة السجالات والاختلافات، ما لم تمس بعد بالمسلّمات التي استوجبت تأليفها.