Site icon IMLebanon

وضوح الأزمة والحلّ أكبر مشكلة للمسؤولين

 

في الأيام الأخيرة للامبراطورية النمسوية – المجرية، سئل وزير الخارجية عن حال حكامها آل هابسبورغ، فأجاب: “ميؤوس منها ولكن غير خطيرة”. ولو سئل أي مسؤول لبناني عن حال المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتحكمة بلبنان المنهار نقدياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً، لاعتبر السؤال جزءاً من “مؤامرة كونية” على القادة الاقوياء الذين هم في أفضل حال. ولو سئل أي مواطن لبناني عن حال الجمهورية قبل انفجار المرفأ وبعد الكارثة لقال: خطيرة وميؤوس منها، ثم أعطى نفسه بعض الأمل لئلا يختنق وقال: خطيرة ولكن غير ميؤوس منها.

 

ذلك ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يعمل ليل نهار لإنقاذ لبنان يعود الى بيروت، فيرى ان ما عمل له وأرفقه بورقة فرنسية للانقاذ ليس على جدول الاعمال. والوزير جان ايف لودريان، الذي يحذر من “استخدام الكارثة للتعتيم على الواقع قبلها”، خائف من “اختفاء لبنان” الواقف على “حافة الهاوية” والعاجز عن تحقيق “الاصلاحات المطلوبة”. فالصورة بلا ظلال. تشخيص المرض اللبناني واضح عند الداخل والخارج. والعلاج الموصوف معروف. لكن الوضوح هو مشكلة المسؤولين. فما يريدونه هو علاج لمرض آخر. علاج لخوفهم من أي حل لا يضمن استمرار مصالحهم على حساب المصلحة الوطنية، ولا يترك ابواب الفساد مفتوحة وطرق السطو على المال العام محمية بالألعاب القانونية.

 

وإلا، كيف نفهم ان تتولى الاكثرية وضع العراقيل أمام تأليف حكومة لمهمة ملحة هي اخراج لبنان من الهاوية، وتأخير الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف تأليف الحكومة الى نهاية آب؟ كيف نكون في انواع عدة من الطوارئ باستثناء الطوارئ السياسية؟ ولماذا يهرب المسؤولون من الفرصة المفتوحة لتحويل الانفتاح الانساني علينا بعد الكارثة الى انفتاح سياسي يخرجنا من العزلة العربية والدولية، التي قادنا اليها “محور الممانعة” المندفع في قتال العرب والغرب لانجاز مشروعه الاقليمي؟

 

ليس امراً قليل الدلالات ان يبدو العالم اكثر رأفة باللبنانيين من حكامهم. ولا ان يصرّ الرئيس ماكرون على مهمة تبدو مستحيلة هي انقاذ لبنان على الرغم من المنظومة السياسية بعدما حاول دفعها الى الانقاذ. فهم خارج الحديث عن الذين يجب ان يقادوا الى “الجنة بالسلاسل”، لانهم يرون ان انقاذ لبنان بالمعنى الحقيقي لن يقودهم الى الجنة بل الى الجحيم وخسارة الامتيازات.

 

ولا شيء خارج المألوف عنهم. فلا قيمة عندهم إلا المال والسلطة. ولا سياسة إلا الالعاب السياسية. و”حين يصبح كل شيء سياسياً، فان هذه نهاية السياسة”، كما يقول الفيلسوف هاليبرتال. ونحن في نهاية السياسة من دون بداية حتى لأن تقوم السلطة بدور “بلدية لبنان الكبير”.