يبدو ان ساسة لبنان يجرون “بروفات” على التملّص من “العقد السياسي الجديد”، عبر ممارسات تؤكد المؤكد بالنسبة اليهم: لا تراجع عن نظام المحاصصة تحت شعارات الميثاقية الجوفاء التي ستظل جاثمة فوق صدور اللبنانيين.. “شاء من شاء وأبى من ابى”!.
اركان السلطة المتسلطة يراهنون على خوار قوة اللبنانيين في بيوتهم كما في ساحاتهم، عبر سحب بساط الدعم عن سلعهم الاساسية و يهزمون ما تبقى من شريحة لا تزال صامدة ضد “العدوان الإقتصادي” عليهم، ويلحقون بالطبقة المتمددة تحت خط الفقر.
الفرنسيون والمجتمع الدولي من خلفهم، سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً الاعيب وبهلوانيات العهد وصهره و”الثنائي” الذين يعطونهم “من طرف اللسان حلاوة”.. وما أوتيوا من دهاء فطري وسياسي.. كي يبقى الوضع كما كان عليه.
حتى آخر العام الحالي ستكون سياسة دعم المواد الاساسية، لا سيما المتصل بالمشتقات النفطية والدواء وبعض المواد الغذائية الرئيسية امام حائط مسدود، بعدما أعلن حاكم مصرف لبنان ان ما تبقى من احتياطي مالي في المصرف يكفي لأشهر قليلة، وبالتالي سيكون لبنان امام مشهد اكثر مأسوية مما كان عليه منذ بدء الانهيار المالي نهاية العام المنصرم حتى اليوم، وسط سياسة المزيد من الشيء نفسه التي تعتمدها السلطة، من خلال منع اي محاولة تغيير اصلاحي نوعي في ادارة الشأن العام، وعبر الاصرار على التمسك بالسلطة من خلال محاولة الالتفاف على المبادرة الفرنسية، عبر تشكيل حكومة ظاهرها محايد، وجوهرها ملتزم بإمرة الطبقة الحاكمة، وهذا ما تكشف عنه المداولات الجارية بين اطراف السلطة والرئيس المكلف مصطفى اديب، التي تؤكد ان تشكيل الحكومة لم يزل تحت سقف المحاصصة مع حدود من مراعاة الفرنسيين في بعض التسميات، ومجافاة مطالب الانتفاضة التي دعت ولا تزال الى حكومة من المستقلين، وانتقالية تمهد لانتخابات نيابية مبكرة.
في زيارته الى بيروت لم يكن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، متفائلاً بالمبادرة الفرنسية، انطلاقاً من ان الأزمة التي يعاني منها لبنان، باتت تتطلب خطوات جذرية على المستوى السياسي، تنقل لبنان من مرحلة الخضوع لـ”حزب الله”، الى مرحلة تحرر الدولة ومؤسساتها من هذه السيطرة التي ادت الى استعصاء الاصلاح من جهة، وعدم وجود مصلحة لـ”حزب الله” باستعادة شروط الدولة بالكامل، لذا هو يرجح ان المبادرة الفرنسية ستصطدم بواقع صلب، طالما انها لم تذهب الى العناوين الجوهرية المتصلة باصل المشكلة وهي منظومة السلطة التي تخضع لـ”حزب الله” وتسير في مسار تدمير لبنان.
الموقف الاميركي من عدم الدخول في عملية تشكيل الحكومة، بوضع معايير للتعاون معها، تتجاوز المطلب التقليدي الذي يتكرر عند تشكيل اي حكومة، اي مطلب عدم ضم اي ممثلين لـ”حزب الله”، يمكن فهمه بعدم الرغبة في الدخول في تفاصيل غير مجدية لواشنطن، انطلاقاً من ان الحكومة المزمعة لن تحقق التغيير او الاصلاح، وبالتالي فان الاشهر المقبلة سوف تكشف الواقع البائس من دون ان تستطيع هذه الحكومة ولا الفرنسيون انفسهم من مواجهته.
وما يؤكد تجذر سلوك المحاصصة في اداء السلطة – وهو لا يحتاج الى تمعن او تحليل – أن الجدل القائم اليوم بين اقطاب السلطة لا سيما على مستوى الثنائية الشيعية وفي قصر بعبدا، هو كيفية تقاسم النفوذ وتعزيزه، من خلال الاصرار على تسمية الوزراء، وبحسب المعلومات، فان الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، يحاولان ان يضمنا تمثيلاً وزارياً، يحول دون اظهار اي اشارة واضحة لتغيير في آلية التمثيل المعتمدة منذ سنين، بحيث ان الرئيس عون يريد ان يوجه رسالة الى المسيحيين واللبنانيين عموماً، ان كل ما جرى لن يهز حجم تمثيل “التيار الوطني الحر”، وكذلك الرئيس بري الذي يسعى الى حسم الجدل منذ البداية، بانه هو من يسمي الوزراء الشيعة بعدما احال “حزب الله” اليه هذه المهمة ولو شكلاً في الحدّ الأدنى.
ربما الرئيس مصطفى اديب كان يحاول ان يتجاوز اقرانه من رؤساء الحكومات السابقين، فما جرى تسريبه خلال لقائه مع ممثلي الثنائية الشيعية، قبل يومين، وتعليقاً على ما نقل اليه من الرئيس بري، بأن الأخير سيرسل له ثلاثة اسماء مرشحة لوزارة المالية من الشيعة، فيختار اديب واحداً منهم. الرئيس المكلف قال انه هو من يرسل اسماء ثلاثة مرشحين ولبري ان يختار واحداً منهم.
هذه الرسالة ربما تعكس جانباً من محاولات تغيير قواعد التشكيل، التي لن يقبل بها الرئيس بري ولا “حزب الله”، لكن بري الذي يكتم غيظه، لن يعدم وسيلة من اجل تفجير غضبه، وفي خضم محاولات الاستحواذ على اكبر قدر من الحقائب والتمثيل، يبدو الرئيس ميشال عون الأكثر قابلية لتفجير الخلاف حول الحكومة، فثمة رهان لدى العديد من الفرقاء من معارضي العهد او شركائه، على ان الرئيس وصهره، لن يقبلا بما يعتقدانه ظلماً للتيار في التمثيل الوزاري، وعملية التربص تبدو متبادلة بين اقطاب السلطة ولا سيما فريق الأكثرية النيابية، تربص يستند الى رهان من سيعلن الرفض لتشكيلة الحكومة، ليخفف عن الآخرين اعباء الرفض وتحمل تبعاته امام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
اختبار تشكيل الحكومة يفتح هذه المرة باباً امام الرئيس المكلف، لفرض حكومة بشروطه او بشروط المبادرة الفرنسية، وهو اختبار يفترض تسليم “حزب الله” فعلياً بالنأي عن عملية التشكيل، وقبول الرئيس بري بألّا يكون هو من يسمي كل الوزراء الشيعة، والأهم تسليم الرئيس عون بأن تشكل حكومة لا يكون الرئيس وصهره بيضة القبان المسيحية فيها..
المبادرة الفرنسية والتربص الاميركي بها لا يختلفان عما يجري داخل فريق الأكثرية، وهي حالة مستمرة على وقع الانهيارات المنتظرة والمرتقبة لبنانياً وقدرة الاستثمار في الخراب العميم الذي لا راد له على ما تشي السياسات المحكومة بالمحاصصة والافساد في سلطة لبنان الحاكمة والمتحكمة.