منذ العام 1988 وحتى اليوم لا يمكن القول إن التجارب الفرنسية مع اللبنانيين كانت ناجحة، فالسفير الفرنسي رينيه ألا لم يتمكن من إقناع العماد ميشال عون بالسير بـ”اتفاق الطائف” والخروج سلمياً من قصر بعبدا واقتصر دوره على استقباله في السفارة عندما اجتاحت القوات السورية القصر الجمهوري ثم رتب رحيله إلى فرنسا.
الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقف إلى جانب لبنان من خلال الرئيس رفيق الحريري ومؤتمري باريس 1 وباريس 2 لدعم لبنان اقتصادياً، وكان للفرنسيين دور فاعل في صدور القرار 1559، ليمارسوا بعد اغتيال الرئيس الحريري ضغوطاً بالتوافق مع الأميركيين أدت إلى سحب القوات السورية من لبنان، ولكن اللبنانيين لم يبادلوا الفرنسيين بإصلاحات كانوا وعدوا بها وفرطوا بالواقع السياسي الجديد الذي خلقه خروج الوصاية السورية.
رغم ذلك واصل الفرنسيون الاهتمام بلبنان، فكان باريس 3 ولقاء سان كلو، إلى أن وصل الأمر إلى مؤتمر سيدر الذي تبناه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولكن اللبنانيين أسقطوا أيضاً كل هذه المبادرات ضاربين عرض الحائط بكل الجهود الدولية التي كانت تحاول حثهم على القيام بإصلاحات عجزوا عنها بسبب خلافاتهم ومحاصصاتهم ومصالحهم الشخصية.
كان الفرنسيون والعالم محجمين عن مساعدتنا إلى أن أتت كارثة انفجار المرفأ فأصبح الفرنسيون والمجتمع الدولي أمام أمر واقع، إما مساعدة لبنان وإما تركه ينهار.
فُتح الباب بداية على المساعدات للملمة تداعيات الانفجار ولكن الفرنسيين رأوا في الكارثة فرصة ليعيدوا إحياء جهودهم من أجل إخراج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية معتقدين أن هول كارثة انفجار المرفأ قد بدّل من نهج الطبقة الحاكمة ومصالحها.
في المرحلة الأولى تمكن ماكرون من وضع من بيدهم الحل والربط أمام أمر واقع لا مفر منه بالتعاون معه من أجل الخروج من المأزق، وهو مدرك أنهم يحاولون إخراج أنفسهم من المأزق لينقلبوا مجدداً على الوساطة الفرنسية فهؤلاء لا يمكنهم العيش في دولة قوية قادرة سيدة تملك قرارها، كما لا يمكنهم أن يخسروا سيطرتهم على الناس ولقمة عيشهم والأهم أنه لا يمكنهم خسارة سلطتهم وتحت هذا العنوان رفض بعضهم الانتخابات النيابية المبكرة وقد اضطر ماكرون مكرهاً إلى مسايرتهم رغم إدراكه للخطأ الكبير الذي وقع فيه.
دارت الأحداث دورتها وعاد الفرنسيون ليفاوضوا العماد عون وتياره السياسي وحلفاءه للخروج من المأزق، وهم لا يعرضون عليه هذه المرة حوافز بل ستكون هناك خسائر يتكبدها وزارياً على الأقل فهل تتكرر مع السفراء برنار ايميه وأيمانويل بون وبرنو فوشيه، تجربة رينيه ألا؟
الأيام المقبلة ستظهر من تعلم العبر والدروس.