بين قطع الرؤوس بالسيف و”استمرار هجوم فرنسا المنظّم على مشاعر المسلمين بالإساءة إلى الرموز الدينية” برسوم كاريكاتورية، أسئلة كثيرة.
الا تتأثّر مشاعر المسلمين، عندما يعجز الواحد منهم عن تأمين لقمة عيش له ولأولاده في بلده؟ أو تأمين مقعد في مدرسة أو سرير في مستشفى؟ أو عندما يُعتقل ويُعذّب من دون ذنب إقترفه؟ أو عندما يُقتل في حروب تشنّها الأنظمة لضمان إستمراريتها؟ أو عندما يُتاجر بهم الزعيم ويُقنعهم أنّ الآخر عدوٌ يتربّص بهم لأنّه لا يؤمن بما يؤمنون؟ أو عندما يوعدون بالجنّة مقابل تخلّيهم عن إنسانيتهم وحرّيتهم وكرامتهم وأمانهم على الأرض؟
أذكر بعد أحداث 11 أيلول، أنّ مهندساً حاصلاً على جنسية بريطانية، قال لي: “إقشعرّ بدني وشعرت بقوة الإسلام وأنا أستمع الى خطاب اسامة بن لادن يتبنّى التفجيرات”.
المهندس كان عاطلاً عن العمل في لبنان، وخاض مغامرة اللجوء الى بريطانيا، فحضنته. وتمكّن من تأسيس عائلة تعيش في استقرار وأمان، وهو لا يفكر مُطلقاً بالتخلّي عن إمتيازاته كمواطن في بلد الكفّار، حيث لا يقَيِّد النظام حرّيته في المعتقد والرأي.
كذلك أذكر عبدو، السوري المقيم في إحدى المدن القريبة من باريس بعد حكاية هجرة وقوارب موت، فقد أخبرني انه عاش في بيئة تكفِّر غير المسلمين ولا تمنحه كرامة أو أماناً أو مستقبلاً له ولأولاده. وعندما هرب من النظام الأسدي الذي يقتل ويعذب على الشبهة، ومن تنظيم “داعش” الذي يقطع الرؤوس، إكتشف الرحمة لدى هؤلاء الكفّار. فقد حرصت البلدية في مدينة لجوئه على تأمين منزل بثلاث غرف نوم لأنّ لديه أربعة أولاد، هذا عدا المساعدات الإجتماعية والنفسية والتعليمية له ولأولاده، التي تقدّمها له دولة كافرة يتعرّض مواطنوها منذ العام 2015 لأعمال إرهابية، من تفجيرات ودهس وطعن بالخناجر وقطع رؤوس بالسيف.
هل يمكن القول انّ العنصرية هي السبب في التطرّف المؤدّي الى هذه الجرائم، كما يصرّ البعض على التبرير؟ ماذا عن جرائم أفظع في سوريا والعراق وحيث امتدت أنياب الإرهاب؟
هل يستوي الخلل المؤدّي الى التطرّف والعنف بإدانة تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الإيديولوجيا المتطرّفة التي أدّت الى هذه الجرائم؟
مع الأسف، لا تزال قاصرة محاولات قراءة التعصّب وفظاعة الإرهاب والتطرّف وتداعياته بما تستحقّ لوقف هذه الظواهر والمظاهر، سواء في فرنسا أو غيرها من الدول.
فالمعترضون الغيارى على الدين الحنيف لم يحاولوا حماية نبي الإسلام بحماية المسلمين في أوطانهم، فلا يتمّ استغلالهم لتشويه صورة نبيّهم بالسيف والمتفجّرات والقتل غير الرحيم.
كأنّ المطلوب، على ما يبدو، رعاية التطرّف والتخلّف حتى لا تقوم قيامة للمسلمين، ليس لكونهم مسلمين بالمطلق، ولكن لأنّ مشاريع متعدّدة ومتقاطعة تستفيد من هذه الرعاية.
في فيلم “في حبّ بابلو” يقول خافيير بارديم، الذي جسّد شخصية أشهر تاجر مخدّرات في العالم، لابنه: “يجب أن تجعل الناس يحبّونك، وإذا لم تستطع، إجعلهم يحترمونك، وإذا لم تستطع، إجعلهم يخافونك”.
والواضح أنّ من يغذّي التطرّف يستخدم الجملة الأخيرة من معادلة بابلو إسكوبار، ليفرض كل ما يضرّ بالإسلام والمسلمين.