في خضم النزاعات العنيفة، التي تتستر بالدين بينما تعوم في مستنقعات السياسة الآسنة، وتعلو بكلامها عن القيم العلوية فيما تنفث مشاعر وسلوكات من كراهية وعنف وبذاءة.
في هذا الخضم الذي يرتفع فيه الساطور مقابل القانون؛ تتساقط الأسئلة، وتنعدم المناقشة… ومع ذلك يحلو لي طرح أسئلة بسيطة.
السؤال بسيط إلى الإمام علي خامنئي والرئيس رجب طيب أردوغان، وإلى كثيرين وكثيرات من المعلقين والمعلقات: هل يعرفون الدستور الفرنسي والقوانين الفرنسية التي تنص على حرية التعبير (بما فيها لمجلة “شارلي إبدو”)، المكفولة – تحت نظر القضاء – لجميع مواطني ومواطنات الدولة الفرنسية؟
هلّا يطالبون -إذا كانوا صادقين في شكواهم- بتعديل بعض هذه البنود (مثلما يطالب أئمة فرنسيون مسلمون)، بدل: الساطور، والحذاء، ونفايات الكلام والصفات التي يتشدق بها أكاديميون وأكاديميات ومصورات ومصورون وكتاب وكاتبات ومثقفون ومثقفات عرب ومسلمون، ممن لم يشاركوا -حسب علمي- في موقف واحد ضد قمع حرية التعبير في بلدانهم؟
سؤال إضافي إلى خامنئي وأردوغان: أتريدان من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكون متحكماً بدستور بلاده وقوانينها مثلما لا تتورعان عن فعله عندما تقتضي تدابير السياسة في بلدَيكما؟
ما لا ينتبه إليه رجال السياسة، ولا دجالو الشعبوية الرخيصة، أنهم يَكشفون في مواقفهم ضد غيرهم عما يمارسونه، هم بأنفسهم، في بلدانهم. وهو ما يصيب بعض المسلمين في المجتمعات الأوروبية نفسها: يَنعمون فيها بحقوق ليست متاحة لهم في بلدانهم الأصلية، فيما تراهم يَتهمون بلاد استقبالهم بالديكتاتورية والهزء بمعتقداتهم. هكذا نرى حكام بلاد المنشأ “يستعملون” اسم الله نفسه، وسيرة النبي، و”صورته”، مثلما “يستعملون” السياسات في حملاتهم الانتخابية في بلدانهم.
“حشومة”: كما يقول المغاربة.
“عيب”: كما يُقال في لبنان.
هذا كله -كما تحققنا من ذلك مع “داعش”- يصيب المسلمين قبل غيرهم.
أما الأذية التي تلحق ببعض الفرنسيين في مدارسهم (!) وأمكنة عباداتهم (!) فلا تقاس أبداً بمدى الإخضاع والإسكات المطلوبَين للجماعات المسلمة خارج فرنسا.