IMLebanon

فرنسا مؤيدة للبنان ورافضة لعزل «حزب الله» ولديها ملاحظات على خطة الحكومة

 

عدم الأخذ بالنصائح بشأن الإصلاحات يفرمل المساعي الدولية لمساعدة لبنان

 

 

يُجمع كل المتابعين في لبنان والخارج على ان الوضع اللبناني في هذه المرحلة متشابه، على عكس ما كان يحصل في أعوام سابقة، حيث كان الوضع السياسي السيئ يُعوّض عنه بالاقتصاد، وعندما يكون الوضع الاقتصادي سيئاً يُعوّض عنه بالأمن، وعندما يكون الوضع السياحي سيئاً يُعوّض عنه بالصحي… وهكذا دواليك. غير انه اليوم فإن كل القطاعات متساوية بالسوء والانهيار، وهذا الانهيار مستمر رغم تأليف الحكومة، ورغم آفة فيروس كورونا، ورغم الخطة الإصلاحية، لأن المجتمع الدولي والمكوّن بالنسبة لنا من الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والدول المانحة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومؤتمر سيدر، ليس لأحد من هؤلاء نظرة إيجابية تجاه لبنان، لا من حيث الخط السياسي للحكومة ولا من حيث التكوين، وهذا يُشكّل – بحسب تعبير أحد الوزراء السابقين المخضرمين في السياسة اللبنانية – عطلاً بنيوياً، يعطل التعاطي بين لبنان والمجتمع الدولي.

 

منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عبّر المجتمع الدولي عن نوع من الانتعاش لديه من جرّاء إعلان الخطة الإصلاحية للحكومة، لكن عندما شعر بوجود بعض الثغرات تواصل مع الحكومة لمعالجة هذه الثغرات، لكنه فوجئ من خلال الاجتماعات والتصاريح بأن الحكومة تتصرّف وكأن الخطة كل متكامل، لذلك حصلت فرملة في المساعي الدولية لمساعدة لبنان.

 

سفراء دول كبرى يستعجلون التشكيلات القضائية ليكون القضاء قادراً على التحرّك ومكافحة الفساد

 

ويكشف المصدر الوزاري السابق أن فريق صندوق النقد الدولي أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأنه ليس في وارد خوض غمار التفاوض مع الحكومة اللبنانية بغياب مصرف لبنان، وتم التجاوب مع هذه الرغبة حيث دعي حاكم المصرف رياض سلامة إلى حضور الاجتماع الثاني مع الصندوق. وأكثر من ذلك فإن المجتمع الدولي انقبض من تعطيل صدور التشكيلات القضائية، فهناك معلومات تتحدث عن ان هناك سفراء لدول كبرى – باستثناء الروسي والصيني – ابلغوا الحكومة اللبنانية رسمياً الأسبوع الماضي بضرورة اصدار هذه التشكيلات، لأن الخطة الحكومية المرتكزة على مكافحة الفساد لا يمكن الأخذ بها ما لم يكن هناك قضاء قادر على التحرّك، مع تأكيدهم بأن هذا الطلب ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية للبنان، وهم صدموا بعدما وجدوا ان كل النصائح، وهي أكثر من ست نصائح، لم يتم احترامها من قبل لبنان، وبالتالي فإن عملية التفاوض مع المجتمع الدولي ستبقى تدور حول نفسها بانتظار تغيير في الموقف اللبناني وليس في المجتمع الدولي.

 

وفي السياق ذاته، فإن مصادر دبلوماسية أوروبية تستغرب ما نقل عن السفير الفرنسي لجهة تأييد باريس لخطة الحكومة، وتقول ان الصحيح هو ان فرنسا مؤيدة للبنان، وهي تعتبر تأييد الشرعية في هذا البلد أساسياً، لكن هذا التأييد لا يعني إطلاقاً الموافقة علي كل ما يصدر عن المؤسسات، ففرنسا تؤيد صدور الخطة وهي تعتبر هذا الصدور بأنه يوم سعيد بالنسبة لها، لكن لديها ملاحظات كثيرة على مضمون هذه الخطة.

 

وتلفت المصادر النظر إلى ان الحكومة الفرنسية تختلف من الموقف تجاه بعض الملفات في لبنان عن الموقف الأميركي، ففرنسا على سبيل المثال هي ضد عزل «حزب الله»، لأنها تعتبره مكوناً أساسياً من المكونات اللبنانية، والتعاطي معه هو من المسلمات التي تعترف بها كل الأطراف، لكن هذا لا يعني تأييداً للسلاح غير الشرعي أو خرق القرارات الدولية، وفي موازاة ذلك فإن فرنسا ضد أي قرار أميركي من شأنه ان يزيد الضغوط على لبنان، لأن أي انهيار في لبنان لن يفيد الا «حزب الله»، والنتيجة ستكون معاكسة تماما لما ترغب واشنطن تحقيقه، وفي مقابل ذلك سيزيد من النفوذ الإيراني في لبنان، ولذا فإن الفرنسيين مع المجتمع الدولي يقفون إلى جانب لبنان للحد من الانهيار الاقتصادي والمالي.

 

وكان لافتاً ما قاله السفير الفرنسي المكلف مواكبة تنفيذ مقررات «سيدر» بيار دوكان لجهة تحذيره من ان كل تأخير في الإصلاحات ستكون له انعكاسات سلبية جداً على الواقع اللبناني، مركزاً على ثلاث نقاط أساسية هي: التزام الجداول الزمنية لتنفيذ الإصلاحات واولها في قطاع الكهرباء، والشفافية، والمباشرة في العمل على صعيد مكافحة الفساد، وضرورة الاستثمار في لبنان وقيام الأطراف الدوليين بالمساعدة من خلال التمويل واظهار الشفافية المطلقة في الأداء.

 

هذا الموقف الفرنسي وهو ليس بجديد يُعبّر بشكل واضح عن رغبة باريس في تقديم يد العون للبنان، لكنها في المقابل تريد ان يلتزم بما كان وعد به في مؤتمرات سابقة خصصت لدعمه، وفي مقدمة ما وعد فيه الانطلاق بعملية إصلاحية على كل الجبهات من شأنها ضرب الفساد ووقف الهدر والتعاطي مع كل المسائل المالية بشفافية.

 

وخلاصة للمواقف التي تتزامن وانطلاق عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي تؤشر إلى ان هذه العملية ستكون معقدة ومتشعبة، وانه في حال الوصول إلى قواسم مشتركة ونتائج إيجابية فإن المساعدات التي ستعطى للبنان هي أقل بكثير مما كان قد رُصد في مؤتمر «سيدر»، وهذا يعني ان إعادة انتعاش القطاعين المالي والاقتصادي سيحتاج وقتاً، وان لبنان بحاجة إلى توسيع مروحة اتصالاته خصوصاً مع الدول المانحة علّ وعسى ان يقنعها بضرورة الإسراع في تقديم المساعدة لتجاوز الانهيار الذي بدأت ملامحه تظهر بشكل واضح في الكثير من القطاعات، وعلى كافة المستويات.