في العودة الى المشهد السياسي المحلي إلى الوراء قليلا، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أنه عند الإطلالة الأخيرة لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فُتح سجال في البلد لم تكتمل عناصره بشكل كامل، حول المقصود بدعوته إلى حوار وطني، الأمر الذي ذهب البعض إلى الحديث عن أنها دعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد بشكل أو بآخر، مع ما يعنيه ذلك من إستنفار لبعض القوى والشخصيات التي لا ترى نفسها خارج إطار إتفاق الطائف ومنافعه ، هذه النقطة تكمن فيها المشكلة والحل لكل ما يحصل، خصوصاً أن ركائز الطائف سقطت على مدى السنوات الماضية، تحديداً منذ العام 2005، وهو ما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من لمح إليه في وقت سابق.
في هذا السياق، تذكر المصادر السياسية بحديث ماكرون في بيروت عن ميثاق جديد، حيث تلفت إلى أن الرؤية الفرنسية، لمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة، تشمل الذهاب إلى حوار ينتج إتفاقًا يعيد وضع أطر لنظام جديد، الأمر الذي يتناغم مع ما طرحه باسيل بشكل أو بآخر، يعيد للدولة هيكلتها بعيداً عن الشخصانية والطائفية، ولا يكون مفصلاً على قياس الحرس القديم في الدولة، الذي يعود إلى أيام الحرب وميليشياتها التي تسيطر على كل مفصل من مفاصل الجمهوريّة.
لكن هذا الواقع لا يتماشى فقط مع رؤية الرئيس المكلف سعد الحريري بالإضافة إلى العديد من القوى والشخصيات التي ترى نفسها مستفيدة من النظام الحالي وعلى مدى ثلاثين عاما في السياسة والاقتصاد والمال وصولا الى الهدر على حد قول المصادر، الأمر الذي دفعه إلى محاولة اللعب على التباينات الإقليمية والدولية من خلال الزيارات الخارجية التي يقوم بها، خصوصاً بالنسبة لزيارته إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تشدد على أن ما يُحكى عن دور له في رأب الصدع القائم بين فرنسا وتركيا غير دقيق، إضافة لما حكي عن دور يلعبه لإصلاح العلاقة بين أنقرة ودوال الخليج هي أيضاً أخبار غير مؤكدة، فيما البارز في زيارات الحريري إمكانية تقديم اللقاح الصيني كتقدمة من الامارات وهذا بدوره لم يتأكد بعد.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الحريري أراد من خلال زيارته تركيا، توجيه رسالة إلى الفرنسيين بشكل أساسي وممارسة لعبة الضغط من خلال الداخل اللبناني، في ظل العلاقة المتوترة بين أنقرة وباريس على خلفية التدخلات التركية في الشرق الاوسط وأفريقيا وأذربيجان، والمشاكل القائمة بين الأتراك ودول الإتحاد الأوروبي، وتذكّر هذه المصادر بأن أردوغان لم يكن سعيداً بالدور الفرنسي المستجد في لبنان، الذي انطلق بشكل قوي بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت.
وعلى وقع عدم وضوح موقف حزب الله مما قاله النائب باسيل بالتزامن مع عدم ملاءمة المواقف بين حركة أمل والتيار الوطني الحر بشكل دائم ، يبدو الامر غير ناضج خصوصا لاعادة النظر في النظام القائم حتى ولو بالتوافق، وهذا ما يتطلب مظلة دولية فاعلة لم تتضح بعد وإن كان الفرنسيون يعولون على الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن لإطلاق يد فرنسا في لبنان، وإذا ما تم الامر، فإن أطرافا لبنانية فاعلة سوف تدفع الثمن غاليا عطفا على وضع العراقيل امام المبادرة الفرنسية منذ الرابع من اّب، ومن هنا تدعو هذه المصادر المسؤولين اللبنانيين الى معرفة حجمهم الحقيقي أمام اللعبة الدولية الكبرى والانصراف الى تأمين لقمة العيش للناس وإستيراد اللقاح على وجه السرعة قبل أن يتم القضاء على اللبنانيين جوعا ومرضا !!