Site icon IMLebanon

الرياح الإقليمية الباردة تلفح لبنان و”حزب الله” يستعد للتحرّك

 

 

 

ليت فرنسا لم ترسل وزير خارجيتها جان ايف لودريان الى لبنان. حتى الامس كانت المبادرة الفرنسية هي المظلة التي تسير تحت سقفها المداولات المتعلقة بتشكيل الحكومة، أقله في العلن. وكانت مرجعية يركن اليها جميع الافرقاء، قبل ان يطلق جان ايف لودريان رصاصة الرحمة عليها وتنتهي زيارته الى صفر نتائج كي لا نقول الى الفشل. الاشارة الوحيدة التي يمكن البناء عليها من خلال زيارته هي ان المجتمع الدولي لم يعد يهتم لتشكيل حكومة وعينه على انتخابات نيابية تشكّل باباً لتغيير الطبقة السياسية، لكن حتى هذه خابت فيها الجهود الفرنسية التي حضر وزير خارجيتها يستثمر في أرض قاحلة.

 

أكدت زيارة لودريان ان بلاده ليست طرفاً مؤثراً في التحوّلات التي تشهدها المنطقة، من فيينا الى بغداد حيث التغييرات تعيد تشكيل مشهد الإقليم برمته. فهل ما نشهده من حوار سعودي – سوري، وايراني – سعودي، انقلاب في المواقف والموازين والتحالفات ام تبريد للجبهات الحامية؟

 

تعني انطلاقة الحوار على المحورين اعترافاً ضمنياً بوجود متغيرات في المنطقة مع تبدل الادارة الاميركية. سقط ترامب فتراجع المحور معه، كما صفقة القرن التي عمل لأجلها وتباطأت صفحة تطبيع علاقات دول الخليج مع اسرائيل.

 

صارت المنطقة امام ادارة جديدة ورئيس اميركي يريد تبريد الاجواء الساخنة وهمه استئناف المفاوضات حول الملف النووي مع ايران.

 

إستشعرت دول المحور الحليف لأميركا أن أولوية بايدن هي الملف النووي ولذا يسعى لمفاوضات مع ايران فاستنفرت كي لا يكون الإتفاق على حسابها، واذا لم تكن شريكاً على طاولة المفاوضات، وحيث يريد بايدن رفع العقوبات فلا تستغله ايران بالتسلح.

 

إنتقال الاميركي من موقع العداء مع ايران الى موقع التفاوض انعكس على واقع المنطقة. تبرع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للوساطة بين السعودية وإيران. يهم البلد الذي له حدود مع ايران والسعودية تعزيز وضع حلفاء المملكة في العراق ليحدث توازناً بين القوى. قبلت ايران الوساطة لاعتبارات عدة: التماهي مع الرغبة السعودية، والبحث عن خفض التوتر معها والعمل على إيجاد حل في اليمن، خصوصاً بعدما فشلت في ايجاد شريك بديل في العالم العربي.

 

التقت المصالح والحاجة الى انهاء العداوة المستحكمة. ان يجلسا معا فلا يعني انكساراً لاحدهما بقدر ما هو حاجة متبادلة، لا سيما مع تراكم الملفات المشتركة اقليمياً وحاجتهما الى الأمن سوية.

 

جلستان من المفاوضات سادتهما الايجابية، وتجزم اوساط مطلعة بإمكانية ان يتطور اللقاء الى جلسات ديبلوماسية وينتقل الى حوار على مستوى وزراء الخارجية لتحقيق نتائج فعلية، بعد ان تحققت التهدئة الاعلامية على الجبهتين. محور هذه المفاوضات الثنائية في بغداد الامن في الخليج والوضع في اليمن.

 

أما المفاوضات السورية – السعودية فقد أوحت قبيل ثلاثة اسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا بمنح شرعية سنية اقليمية للرئيس السوري بشار الاسد، فلم يعد هدفها الحد من التمدد الايراني في سوريا ولا تشكيل تحالف من دول المنطقة في مواجهة تمدد الاخوان المسلمين، بل بهدف تأمين عودة سوريا الى جامعة الدول العربية وإعادة العلاقات السورية السعودية، ولكن بموازاة النفوذ الايراني في دمشق وفي بغداد وليس بهدف التنافس، وتمّ الاتفاق على اعادة فتح السفارة السعودية في سوريا وسط حديث عن زيارة متوقعة لوزير الخارجية السعودي الى سوريا أو زيارة مماثلة لنظيره السوري الى الرياض. واذا كان هدف التواصل في الماضي إبعاد سوريا عن ايران، فان الهدف تغير وقد دخلت المملكة في حوار مباشر مع ايران.

 

في سياق قراءاته لا يلحظ “حزب الله” رعاية دولية لهذا التحول الذي يريحه بقدر ما يعزز اوراقه، ويرى أن المفاوضات السعودية الايرانية هي انعكاس طبيعي لمفاوضات فيينا التي ترسل رياحاً باردة باتجاه المنطقة، سيكون لها انعكاسها على المصري والتركي بدليل طي الاخير صفحتي مقتل الخاشقجي والاخوان المسلمين في المنطقة وهو ما يريح الجانب المصري. وهذا التقارب سببه ان جو بايدن متفرغ اكثر لملفات روسيا والصين ويبحث عن حل النزاعات في المنطقة.

 

في خضم كل ما سلف ورغم اهميته لا يبدو ان الملف اللبناني، اقله حتى اليوم، موجود على طاولة مفاوضات الدول الكبرى. في فيينا يقتصر البحث على الملف النووي وفي بغداد تحضر العلاقات والملف اليمني، وفي دمشق عودة العلاقات الثنائية.

 

من وجهة نظر “حزب الله” الاولوية في المنطقة لملفات لا يندرج لبنان في سياقها، لكن المؤكد ان التفاهم السعودي الايراني سيكون له انعكاسه الايجابي على لبنان. والرياح الباردة من شأنها ان تنعكس ايجاباً اذا عرف اللبنانيون كيف ينقذون انفسهم.

 

واذا كانت نتائج فيينا وبغداد تصب في مصلحته وحلفائه فإن “حزب الله” الذي له قوته ونفوذه في الميدان يصعب عليه استثمارهما في لبنان في ظل التعقيدات المتعددة.

 

على المستوى الحكومي، لا يستطيع ان يفرض على الرئيس المكلف سعد الحريري الاعتذار او يفرض على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل التنازل عما يسميه حقوق المسيحيين. لكن طالما ان سعد الحريري رئيس مكلف فـ”حزب الله” يبقي على التزامه بتكليفه متجنباً تكرار تجربة حكومة مماثلة لحكومة تصريف الاعمال الحالية. لكنه سيعاود جهوده في سبيل تقريب المسافة بينهما. يعتبر “حزب الله” وغيره أن لبنان لم يعد أولوية سعودية وكذلك حكومة يرأسها الحريري، ويعني هذا الكلام أن الرئيس المكلف لم يعد له سند إقليمي يحميه، بينما يدعمه داخلياً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط.

 

ويدرك الحريري ان خروجه من رئاسة الحكومة سيضعفه ان لم ينهِ مسيرته السياسية، وانه في حال خرج فجلّ ما باستطاعته أن يتوافق وجنبلاط و”القوات اللبنانية” على الاستقالة من مجلس النواب، لتأمين انتخابات نيابية مبكرة ليس جاهزاً لخوضها بعد، ولذا فأمر اعتذاره صار مستبعداً لا سيما تجاه اللامبالاة التي قوبل بها الامر ولذا فهو عاد واستدرك الامر، باعثاً اشارات الى الثنائي الشيعي بالتمسك بتكليفه.

 

في المقابل فان “حزب الله” الذي يتعاطى مع الحريري بواقعية انطلاقاً من نتائج الانتخابات النيابية، أبلغ باسيل انه طالما الحريري لم يعتذر فسيتعاطى معه كرئيس مكلف.

 

ولذا فان الحل الوحيد الاستمرار في مساعي تشكيل الحكومة استناداً الى جهود “حزب الله” الذي، وتماشياً مع الرياح الباردة اقليمياً والتي سيتأثر بها لبنان، يعتبر ان امكانية تحركه مجدداً ممكنة واول ما سيعمل عليه تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر بين الطرفين الاساسيين، لا سيما بعد أن أثبتت فرنسا أنها دولة بلا ادوات تنفيذية فيما يحاول الروسي استجماع اوراقه في المنطقة. فهل يكون التقارب السعودي الايراني، والسعودي السوري، باب فرج على مستوى الازمة اللبنانية؟

 

امكانية ذلك متوافرة من وجهة نظر “حزب الله” لكن شرط ان تحسن القوى السياسية مقاربتها للاوضاع والتعاطي بواقعية.