Site icon IMLebanon

هل شهرت فرنسا حربها على الطبقة السياسية في لبنان؟

 

ليس مستغرباً ان تولي فرنسا المؤسسة العسكرية أهمية خاصة فتحرص على استقبال قائدها العماد جوزف عون بحفاوة بالغة، وتخصص له موعداً لم يدرج مسبقاً على جدول المواعيد للقاء رئيسها ايمانويل ماكرون، ولتسجل بذلك سابقة أرادتها ان تكون رسالة متعددة الأبعاد لمن يعنيهم الأمر في لبنان، سواء من ناحية الشكل او البرنامج الحافل باللقاءات. أقسى ما في امر الزيارة وأمرّه ان يكون طبقها الاساسي سبل دعم الجيش اللبناني لمساعدته على تخطي الازمة المالية والاقتصادية، التي باتت تهدد بنيانه والأصعب ان تعد فرنسا بمحاولة عقد مؤتمر دولي لشحذ همم الدول وحثها على مساعدة الجيش اللبناني، اما الكارثة فألّا يتحقق انعقاد المؤتمر كونه وعداً وتواجه المؤسسة العسكرية قدرها الصعب منفردة.

 

في خضم السجالات السياسية العقيمة التي نشهدها وفي ظل الازمة المالية الآخذة بالتضخم، ارتأت فرنسا ان تخصص المؤسسة العسكرية بالتفاتة تأكيداً على دورها، وبالنظر لما يمكن ان تشكله من ضمانة لاستقرار لبنان. فرنسا التي غادر وزير خارجيتها جان ايف لودريان غاضباً على الطبقة السياسية وأعدّ تقريراً يدينها ويحمّلها مجتمعة مسؤولية انهيار الاوضاع، ارتأت الرد من خلال استقبال قائد الجيش لترسل إشارات أمنية وسياسية فحواها حرص اوروبا على أمن لبنان وضمان بقاء المؤسسة العسكرية، التي عليها فقط تقع مسؤولية حماية لبنان والذود عنه امام الاخطار المحدقة، بما يرتب وجود آلية دعم تساعدها على أداء مهامها، وتمييز قائد هذه المؤسسة عن الطبقة السياسية التي لوحت فرنسا بفرض عقوبات عليها وموقعه بالنسبة لها، ولا يزعجها هنا الغمز من ملف رئاسة الجمهورية ولو ان من المبكر الحديث عن هذا الاستحقاق بعد وحسمه من اليوم او الدخول في رهانات مسبقة بشأنه.

 

تنأى المؤسسة العسكرية بنفسها عن الدخول في قراءات سياسية لأبعاد الزيارة وما يمكن ان يبنى عليها، لتؤكد ان الهدف اولاً وأخيراً هو تأمين الدعم الكفيل بضمان قوتها ومساعدتها على تمرير الأزمة الاقتصادية والسياسية بأقل كلفة ممكنة، لا سيما وان الجيش يمر في ظروف مالية صعبة للغاية خصوصاً لناحية صرف رواتب العناصر في ظل تدني قيمة الليرة مقابل الدولار.

 

تؤكد مصادر إطّلعت على فحوى الزيارة ان الصحن الرئيسي للقاءات العماد عون مع المسؤولين الفرنسيين تناول نقطتين اثنتين: تمحورت النقطة الاولى حول صعوبة ضبط الأمن، في ظل تردي الاوضاع المالية والمعيشية وصعوبة دفع الرواتب للعسكريين. ينقل العارفون بأوضاع العسكريين ان عدداً من العناصر بات يتجنب طلب مأذونية لزيارة عائلته لانعدام قدرته على دفع بدل التنقل، وان ثمة صعوبة في إصلاح أعطال الآليات العسكرية وتأمين المحروقات، ما يؤشر الى حاجة الجيش لإمداده بما يؤمن الاستمرار والقدرة على تأدية الواجب، أما النقطة الثانية فقد تناولت موضوع عودة النازحين السوريين وأهمية ايجاد الحلول الممكنة لها، واعتبار ملف عودة النازحين ملفاً خطيراً يفوق قدرة لبنان على تحمله. وعلم ان قائد الجيش طلب مساعدة فرنسا في تأمين عودة النازحين الى بلادهم لما لذلك من تبعات قد تطاول دولاً أوروبية.

 

المطلعون على الزيارة وصفوا المحادثات بأنها كانت ناجحة وان قائد الجيش آثر حصرها بشؤون المؤسسة العسكرية وسبل تأمين الاستقرار الأمني في البلاد، لتجزم بعدم الدخول في بحث الملف الرئاسي من قريب او بعيد، وانه نال وعداً فرنسياً ببذل مجهود من اجل عقد مؤتمر دولي لمساعدة المؤسسة العسكرية ومساندتها.

 

ليس مستبعداً ان تكون فرنسا هدفت من خلال خطوتها تلك للتلويح الى المستقبل وهي التي شرعت منذ زيارة وزير خارجيتها الاخيرة، الى التأسيس لطبقة سياسية بديلة عن الحالية وهي كما بات جلياً تعمل على دعم الجيش وقائده وتجديد النخب السياسية في لبنان. ووفقاً للمعلومات فقد دخلت فرنسا بقوة على خط الانتخابات النيابية في لبنان وقررت دعم عدد من الشخصيات، التي سبق والتقاها وزير خارجيتها خلال زيارته الاخيرة ومن بينهم رؤساء أحزاب ونواب مستقيلون وشخصيات مجتمع مدني وجمعيات مدنية، ولهم رمزيتهم لدى الفرنسيين الذين شكل هذا الانفجار باكورة عودتهم المباشرة الى لبنان، وقد خصصها ماكرون بزيارة وعد فيها اللبنانيين بالمساعدة، وأعطى إنذاراً للسياسيين ولم يلبوه، وقد بوشر العمل فعلياً على اعداد البيانات وجمع المعلومات اللازمة والعمل تمهيداً لخوض الانتخابات العام المقبل.

 

بالشكل يدخل الفرنسيون الى كل الطوائف للإعداد لطبقة سياسية جديدة حيث ان الاسماء التي خصصت لها مساعدات هي من طوائف مختلفة، لكن في المضمون يبدو واضحاً التركيز على المعركة في الساحة المسيحية اولاً واساساً، ولو ان الاسماء التي يتم التركيز عليها تقع في صلب كونها جزءاً من الطبقة السياسية الحالية، وإن نأت بنفسها عن المشاركة الحكومية او استقالت من مجلس النواب.

 

هو تأكيد على ان فرنسا دخلت مباشرة على خط الانتخابات النيابية بما يترجم كلام لودريان خلال اجتماعه الشهير في لبنان مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ان فرنسا تتكل عليكم لتجديد الطبقة السياسية في لبنان. من بوابة المؤسسة العسكرية والانتخابات النيابية ترمي فرنسا الى رد الصاع صاعين للمسؤولين في لبنان. لا ضير ان تصيب في الاولى بعد ان صمّت آذان المسؤولين عن نداء قائد الجيش يوم سألهم “أتريدون جيشاً أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا؟.. أما الثانية فدونها خشية من ان تكون ترمي الى العمل على مساحة المتصرفية كأننا امام سايكس بيكو جديد.