عاد الدور الفرنسي إلى لبنان بقوة، وخصوصاً مع تسلّم باريس رئاسة الإتحاد الأوروبي للدورة الحالية، وحيث البداية كانت صاخبة بعد بيان التسلّم والتسليم، إذ عادت فرنسا لتوبيخ المنظومة السياسية اللبنانية، وهذا ما ظهر جلياً بعد تسلّمها رئاسة الدورة الحالية، والتي يعوّل من خلالها على تفاعل هذا الدور، وتحديداً ذلك ما يعطيها هامشاً واسعاً في إقناع الدول المشاركة في الاتحاد بضرورة دعم لبنان، ولا سيما في المجالات الإقتصادية والإجتماعية، توصلاً إلى عقد مؤتمر للدول المانحة، إنما ذلك لن يكون إلا من خلال شروط تتمثّل بالإصلاح، وسوى ذلك من اللاءات التي حدّدتها فرنسا في إطار السياسة الجديدة التي تنتهجها حيال لبنان.
واللافت في إطار الدور الفرنسي، ما تمثّل في جولات السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو على المسؤولين اللبنانيين، وعلم في هذا الإطار، أن جولاتها تمحورت حول نقاط أساسية عرضتها على كل من التقتهم، أولاً إشارتها إلى أن باريس، ومن خلال رئاستها للدورة الحالية للإتحاد الأوروبي، يمكنها أن تقدّم للبنان دعماً إضافياً في كل المجالات، وتحديداً المعيشية والتربوية والصحية، وهذا ما يحتاج اليه اللبنانيون في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّون بها، وستكون لرئيس الدورة الحالية جهود في هذا السياق، ولكن وفق معايير باتت معروفة للجميع، ودونها لا يمكن تقديم أي دعم، وهذه مسألة موضع توافق بين الدول المانحة، بما فيها باريس، أي الإصلاح ووقف الفساد في لبنان، وستكون هناك مراقبة لصيقة لكل هذه المسائل، ثانياً إن السفيرة غريو، أعربت للمسؤولين عن ارتياحها لعودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، واستطلعت مواقف الرؤساء حول هذه القضية، ونقلت رغبة بلادها بضرورة ألا تكون إجتماعات الحكومة على حساب ملفات أساسية، وتحديداً قضائية، آملة ألا تكون هناك تسويات وصفقات على هذا الصعيد، متمنيةً في الوقت عينه، بأن تكون جلسات مجلس الوزراء طبيعية لا مرحلية، لأن لبنان بحاجة إلى جهود مضنية للخروج من أزماته.
وتضيف المصادر أن العنوان الآخر الذي تطرّقت إليه غريو تمحور حول الإنتخابات النيابية، مستطلعة أجواء التحضيرات والإستعدادات لهذا الإستحقاق وكل ما يرتبط به، وحيث أعربت عن استعداد باريس لإرسال خبراء وهيئات دستورية ورقابية للإشراف والمساعدة في إنجاز الإستحقاق الإنتخابي، لأن هناك رغبة جامحة من المسؤولين الفرنسيين، وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، بأن يكون هذا الإستحقاق مدخلاً ومنطلقاً لتصحيح الأوضاع في لبنان، مما سيؤدي لاحقاً إلى عملية إصلاحية واسعة في حال وصل إلى البرلمان، نوابٌ مشهودٌ لهم بالنزاهة.
وعلى خط موازٍ، فإن تفاعل الدور الفرنسي من جديد يتزامن مع غياب من عواصم القرار، ولا سيما تلك المعنية بالشأن اللبناني لجملة ظروف واعتبارات، إنما ثمة تفويض لباريس بالملف اللبناني، في ظل التواصل والتنسيق بينها وبين هذه العواصم، في ضوء أجواء تتوقع بأن تكون هناك زيارة قريبة لرئيس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي إلى بيروت، للاستطلاع والوقوف على الوضع في لبنان من كل جوانبه، إنما في المسائل السياسية، فإن باريس وسواها لا ينظرون إلى أي ملفات أو عناوين أخرى مثل الصراع الدائر في لبنان بين الأطراف السياسية وسائر الأزمات المحيطة بالبلد قبل إنجاز الإنتخابات النيابية، وعندئذ سيكون هناك تعاطٍ جديد مبني على ما ستفرزه الإنتخابات النيابية، بمعنى أن ثمة مرحلة جديدة ستشهدها الساحة الداخلية ما بعد الإستحقاقات الدستورية، وبالتالي، فإن تعامل المجتمع الدولي مع لبنان والذي بدا مغايراً لما كان عليه لسنوات خلت، سيشهد بدوره تبدّلاً جذرياً على كل المستويات السياسية والإقتصادية، والأهم تحديد التعاطي مع السياسيين اللبنانيين، وهذا ما ظهرت مؤشّراته في الآونة الأخيرة، أي هناك شريحة كبيرة من السياسيين لم تعد على أجندة المسؤولين الأوروبيين وسواهم.