اتصل أصدقاء معاتبين لأن مقال أمس كان قاسياً في حق فرنسا (حسب تعبيرهم). وذهب البعض الى اعتباره «ظالماً».
وأود أن أوضح أنني من محبي فرنسا الحضارة والثقافة، وقد أغرمتُ بالأدب الفرنسي، في عصوره كافة، ما قبل «العصر الذهبي» (أدب القرن السابع عشر) وفيه وبعده، والعصر الرومانسي، والى ما بعد «وجودية» جان بول سارتر. ولست أبالغ بحرف إذ أدّعي أنني كنت أحفظ غيباً، عن ظاهر قلب، آلاف أبيات الشعر الفرنسي، ولربما كنت أحفظ أعمال كورناي وراسين وموليير، ثم معظم قصائد «أزهار الشر» لبودلير (والبعض يسميها أزهار الألم باعتبار ان كلمة MAL تحمل المعنَيَين). وكم كنت معجباً بالناقد بوالو الذي استدعاه «الملك الشمس» لويس الرابع عشر ليبدي رأيه في قصيدة نظمها ذلك الذي كان يقول «أنا الدولة والدولة أنا»، وما إن حضر الناقد أمام الملك المهيب واطّلع على القصيدة حتى وجدها تافهة فكان عليه أن يختار بين صدقيته والمحاباة، فقال للملك: «مولاي انت تأمر وتنهي وتفعل ما تشاء ولقد شئتَ أن تنظم قصيدة تافهة فنظمتها». ولم يخن بوالو ذاته وصدقيته. (وعنّا الى الكثيرين من «نقّاد» هذا الزمن الرديء).
وكنت شغوفاً بقراءة ما كتبه المستشرقون ومنهم لامارتين عن إقامته في لبنان، وليس فقط قصيدته الشهيرة في البحيرة السويسرية التي عرّبها نقولا فياض بروعة، ومطلعها «أهكذا دوماً تمضي أمانينا/ نطوي الحياة وليل الموت يطوينا».
وأحببت أن الامبراطور نابوليون الثالث أهدى صولجانه الى البطريرك الماروني.
وما زلت أتساءل عن تواطؤ فرنسا مع البطريرك الكبير بولس مسعد على نفي يوسف كرم خارج لبنان، إلا أنني أعجبت بمداخلاته المطولة المهمة جداً في الصحافة الفرنسية وفي لغتها، دفاعاً عن قضيته(…). ومع ذلك لم يتخلَّ «قائم مقام النصارى» عن حب فرنسا، وأورثه ذويه في زغرتا ومنطقتها، وأذكر في طفولتي ما كانت العامة تردد من المتداول في الوجدان، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: «طيارة طارت بالجو / شفنا عليها صورة (…) / يا فرنسا شوفي حالك / بقوة ربك ورجالك / وما دام التمثال قبالك / رح تبقي يا فرنسا منصورة»… والتمثال إشارة الى النصب المقام ليوسف بك كرم يمتطي حصانه في باحة كاتدرائية مار جرجس في إهدن حيث لا يكتفون بإطلاق لقب «بطل لبنان» على كرم، بل يرفعه الوجدان الشعبي الى مرتبة القداسة.
… إلّا أن هذا الحب كلَّه لا يبدّل اقتناعي لحظة واحدة بأن «استجواب» جان – إيف لودريان النواب اللبنانيين، هو خرق مرفوض للسيادة الوطنية اللبنانية التي هي عندي فوق كل اعتبار.